
فضيحة مها الصغير وسرقة اللوحات الفنية: كيف خان الإعلام المصري الفن مجددًا؟
في محتوى هذا المقال
في زمن تنتقل فيه الصورة أسرع من الحقيقة، ظهر مشهد على شاشة التلفاز قد يبدو للوهلة الأولى بريئًا: مها الصغير، سيدة مجتمع ومُصممة أزياء وطليقة النجم أحمد السقا، تعرض لوحة تشكيلية من “إبداعها” في برنامج “معكم منى الشاذلي”. لوحة تحمل عنوانًا شاعريًا: «صنعت لنفسي بعض الأجنحة»، مفعمة بالألوان والأحاسيس.
لكن تلك الأجنحة، للأسف، كانت مسروقة.
الفضيحة تنفجر: من كوبنهاغن إلى القاهرة
لم تمر أيام حتى خرجت الفنانة الدنماركية ليزا لاش نيلسن عن صمتها، لتنشر أصل اللوحة التي رسمتها سنة 2019. اللوحة هي ذاتها، دون تحوير، دون إذن، دون إشارة. مها لم تقتبس. مها لم تستوحِ. مها ببساطة نسخت، وقدّمت نفسها كفنانة مبتكرة.
ثم تدحرجت كرة الثلج. فنان فرنسي آخر، ثم فنانة ألمانية، وآخرون كشفوا أن لوحاتهم ظهرت في نفس المعرض المنسوب لمها. إنها ليست سقطة، بل سلسلة من السرقات البصرية المنهجية.
الإعلام: شاهد ما شافش حاجة
هنا، يبدأ وجه القضية الحقيقي في الظهور. فأن تخطئ مها الصغير — عن جهل، عن سوء نية، أو عن رغبة في التجميل — فذاك شأنها.
لكن الكارثة الحقيقية أن الإعلام احتفى بها، رَوّج لها، وفتح لها الأبواب دون مساءلة أو تحقق. منى الشاذلي، التي تُعد من أبرز الإعلاميات المصريات، قدّمت مها في حلقة مخصصة، دون أن يكلف فريق الإعداد نفسه عناء البحث في مصدر اللوحات المعروضة.
فهل تحوّلت البرامج الفنية إلى فترينات استعراضية خالية من المصداقية؟
بل إن قناة ON E بثّت المعرض، وروّجت له عبر منصاتها، وكأنه إنجاز ثقافي وطني. ولم تتحرك ساكنًا إلا بعد الفضيحة، بنشر اعتذار مبهم لا يُسمن ولا يُغني من حق فنانة حُقرت أعمالها على الهواء مباشرة.
déjà vu إعلامي: جهاز الكفتة، نسخة 2025
من يُتابع الإعلام المصري يعرف أن ما حصل مع مها الصغير ليس حادثة منفردة، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من التهاون والضجيج المُضلِّل.
تذكّروا معنا سنة 2014، عندما خرج اللواء إبراهيم عبد العاطي ليدّعي اختراعه جهازًا لعلاج فيروس “سي” والإيدز. لم يقدّم الرجل ورقة بحثية واحدة، ولا دليلًا علميًا، فقط كلمات مسرحية، وجهازًا عجيبًا شبّهه الناس بـ”الشواية”.
“أنا بأجيب الفيروس، وبحوله كفتة.. بيتغذى عليه الجسم!”
قالها بكل ثقة. وبدلًا من الضحك أو الشك، صفق له الإعلام، روّج له، وصدّقه ملايين. ثم تبيّن أنها كذبة مدوية، أحرجت مصر علميًا أمام العالم.
في كلتا الحالتين — عبد العاطي ومها — غاب التحقيق، غابت الأسئلة، وغاب العقل. والنتيجة واحدة: وهمٌ يُسوَّق على أنه إنجاز، ومُشاهد خُدع على الهواء.
تشريح الجريمة: من المسؤول؟
| الطرف | الجريمة |
|---|---|
| مها الصغير | نسبة أعمال غيرها لنفسها، واستغلال شهرتها للظهور بمظهر الفنانة المُلهمة. |
| منى الشاذلي | تقصير فادح في التدقيق، وانجرار خلف المشهد دون تمحيص أو مسؤولية تحريرية. |
| القناة المنتجة | بثّ محتوى ينتهك الملكية الفكرية دون أدنى مراجعة قانونية أو مهنية. |
| المجلس الأعلى للإعلام | رد فعل بطيء ومتأخر، رغم وضوح الانتهاك على مستوى دولي. |
ما بين السرقة والسطحية… الإعلام يفقد بوصلته
ما حدث لم يكن مجرد فضيحة فنية، بل فضيحة إعلامية. دليل قاطع على أن الإعلام في بلادنا ما زال يخلط بين الحيادية والترويج، بين البحث عن الحقيقة وتلميع الأسماء.
نحن لا نلوم مها الصغير وحدها. نلوم الإعلام الذي منحها منصة، وسمح لهذا الوهم أن يُباع بعملة الذهب. نلوم الإعلام الذي كرر مأساة عبد العاطي، لا على منصة علمية هذه المرة، بل على لوحة منزوعة التوقيع.
خاتمة: إصلاح لا بديل عنه
إن كنا نطمح لإعلام يحترم عقول جمهوره، ويحمي الفن من التزييف، فلابد من:
- إدراج محرّرين فنيين متخصصين في كل برنامج يُناقش الثقافة أو الفن.
- استحداث وحدة تحقيق داخل كل قناة لمراجعة المواد قبل بثها.
- إنشاء سجل وطني للفنانين واللوحات المعروضة في وسائل الإعلام.
- تفعيل فوري لقوانين حماية الملكية الفكرية، بلا تردد أو محاباة.
لقد تعبنا من إعادة نفس الأخطاء. تعبنا من أن نُخدع كل مرة، ثم نضحك وننسى.
آن أوان إعلام يحترم عقل المشاهد، قبل أن يحترم الكاميرا.







