
الحرباء وتبدّل الألوان: سحر الطبيعة أم علم دقيق؟
في محتوى هذا المقال
حين تتأمل الحرباء، هذا الكائن العجيب الذي يعيش على أطراف الأغصان ويُمارس لعبة الاختفاء ببراعةٍ لا يُجاريه فيها أحد، يخطر ببالك سؤال بسيط في شكله، عميق في جوهره: كيف تغيّر الحرباء لونها؟ وهل حقًّا تكتسب لون المكان الذي توجد فيه؟
دعنا نخوض معًا رحلة إلى عالم الحرباء الساحر، حيث تمتزج الفلسفة بالفيزياء، والكيمياء بالغريزة، لندرك أن وراء هذا الكائن الصغير، أسرارًا كبيرة!
ما الذي يحدث فعلًا تحت الجلد؟
كثيرون يظنون أن الحرباء تغيّر لونها لتندمج تمامًا مع محيطها، كما لو أنها نسخة حية من عباءة هاري بوتر! لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا وأشد إثارة:
الحرباء لا تغيّر لونها فقط للتمويه، بل أيضًا للتواصل، لتنظيم درجة حرارتها، وللتعبير عن حالها النفسية.
التفسير العلمي؟
تحت جلد الحرباء توجد خلايا متخصصة تسمى “الخلايا الصبغية”، وهي من طبقتين:
- الطبقة العليا: تحتوي على بلورات نانوية من “الجوانين” (نعم، ذلك المركب الموجود في الحمض النووي!).
- الطبقة السفلى: غنية بالأصباغ مثل الميلانين.
عندما ترغب الحرباء في تغيير لونها، تقوم بتغيير ترتيب تلك البلورات، مما يغير الطريقة التي تنعكس بها أشعة الضوء، وبالتالي يتغيّر اللون الظاهر على الجلد.
مثال بسيط؟
حين تسترخي الخلايا، تكون البلورات قريبة من بعضها، فينعكس الضوء الأزرق أو الأخضر.
أما عندما تتمدد، فتبتعد البلورات، وينعكس اللون الأحمر أو الأصفر. إنها لعبة فيزيائية بالغة الذكاء!
هل تُقلّد الحرباء خلفيتها حقًّا؟
لا، الحرباء لا تتحول إلى ورقة شجر صفراء لمجرد أنها واقفة فوقها، ولا تصبح رمادية حين تجلس على صخرة باهتة!
لكنها قادرة على استخدام مجموعة من الألوان في جسدها لتقريب لونها من البيئة المحيطة، إلى حدٍ ما، وليس بالضبط. والهدف؟ إما للاختباء من مفترس، أو لتوجيه رسالة إلى منافس، أو لجذب أنثى في موسم التزاوج.
فالحرباء ليست فنانًا ساذجًا يقلّد الخلفية، بل هي رسّام ماهر يرسم شعوره على جلده.
وهل للحرباء مزاج؟
بالطبع! تغيّر اللون عند الحرباء ليس مجرد استجابة للضوء أو درجة الحرارة، بل هو تعبير عن المشاعر.
حين تكون غاضبة أو خائفة، تتلون بألوان داكنة أو صارخة.
وحين تكون هادئة أو سعيدة، تميل إلى الأخضر المزرق أو الباهت.
الأجمل من ذلك؟ أن كل نوع من الحرباء له “لوحة ألوان” خاصة به، وكأن لكل فصيلة ذوقها الفني الذي لا يشبه سواها!
خاتمة: بين الخداع البصري وفن البقاء
الحرباء، هذا الكائن الذي قد يبدو بسيطًا في مظهره، إنما يحمل في داخله درسًا بالغ العمق:
المرونة لا تعني الذوبان، بل القدرة على التعبير عن الذات بألوانٍ مختلفة.
هي لا تُخفي نفسها لتزيف حقيقتها، بل تغيّر لونها لتبقى، لتُعبّر، ولتتواصل.
فيا ليت الإنسان يتعلّم من الحرباء أن يعبّر عن حاله، لا بلون واحد، بل بكل طيف مشاعره، دون خجل أو مواربة.







