الرأس في الرمل… والخراب في كل الاتجاهات: قصة الغفوة العربية

يُعزى الخمول الفكري في العالم العربي إلى انسدادٍ معرفيٍّ عميق ينطوي على الجمود والتصلب. فقد أشار المفكر حسن العاصي إلى أنّ مظاهر الحداثة التقنية التي يبدو عليها العالم العربي ما هي إلا غطاء يحجب «انحدارًا وسقوطًا فكريًا وثقافيًا واقتصاديًا مرعبًا». ويرى أيضاً أن تفاعل العرب مع التكنولوجيا لم يؤسس تقدماً حقيقياً بل حولهم «إلى أقوام مستهلكة لإنتاج الآخر»، ما يستدعي التساؤل الكبير: «لماذا تقدم الآخرون وتخلَّف العرب؟». وتدعم هذه الصورة تعمّق عوامل متعددة، منها استمرار النظم الأبوية والعشائرية، والقمع السياسي، وغياب الرؤية الوطنية والاستراتيجيات الواضحة للنهوض. كما يشدد العاصي على ضرورة «تفكيك الموروث العربي والإسلامي ودراسته وتحليله ثم نقده»، بدلاً من التعامل مع التراث بصورة استعراضية جامدة، لتمكين العقل العربي من فهم دوره والأدوار الاجتماعية للحضارة.

ثمة أيضاً «أيديولوجية الخمول» تستدعيها نخبةٌ من المثقفين أمثال الراحل سمير قصير، الذي تساءل بمرارة بعد نهضة القرن التاسع عشر: «كيف يتم إسقاط حضارة حية من أجل الاستسلام لعقيدة الشقاء والموت، وكيف يختار المجتمع نبذ التجديد والإبداع والتعددية والتشبث بالخمول والشقاء والإقصائية؟». ويُنبّه القصير إلى أنّ تدين المجتمع العربي المعاصر صار «استعراضيًا» في ظل «اختلال القيم الأخلاقية والروحية»، بحيث يركّز الناس على المظاهر الدينية من دون ملامسة باطنهم. وفي هذا المناخ، قد تؤدي مجموعة من العوامل كالتشدّد الديني والجهل إلى تكريس عقلية سلبية تحول دون الإنتاج الفكري والإبداع.

تجميد النصوص الدينية وتقديسها دون تأويل

أفضى الجمود الفكري في محيطنا إلى نظرية عقائدية ترى النصوص الدينية مُقدّسة وثابتة بلا إعمال للعقل أو الاجتهاد. يعلّمنا التاريخ أن الدين فرض روح المنطق والاجتهاد، لكن بعض الدعاة حولوا «محتوياتها وأركانها إلى عادات»، فاصطُلح فهم الدين شكليًا يُعنى بالمظهر لا بالمضمون. وينتج عن هذا التجميد منع التفكير في النصوص وغلْق باب التأويل، ما يُسهم في غياب التجديد الديني. وهكذا، صار التركيز على أداء الطقوس واللباس الديني قناعًا لا يغني عن استيعاب جوهر الدين؛ فالإسلام الذي بعث «ليخاطب العقل أولاً ثم الروح ثانيًا» بحسب الكاتب ياسين طارق أحمد، تحوّل بفعل الركود الفكري إلى تلقين روتيني وعبادة شكلية.

من هنا، يدعو المفكر محمد عابد الجابري إلى قراءة نقدية جديدة للتراث الإسلامي وفك رباط تأويلاته الجاهزة، لا سيما أن الفكر الإسلامي مرّ بمشروع «تحليل وتأويل وتفسير التراث الإسلامي» وفرص المعرفة الكامنة فيه. ويلفت العاصي أيضاً إلى أن المشروع النقدي لفك التراث بوسائل الغرب النقدية قد يفتح نوافذَ انفتاح على الآخر ويعيد تعرية مصطلحات التاريخ والهوية. من هذه الزاوية، يُعد تجميد النصوص الدينية ونفي دور الاجتهاد سببًا رئيسًا في تأخر الحراك الفكري، إذ يغيب النقاش الموضوعي وينعدم تنوّع الرؤى.

الغلو في المظاهر الدينية مقابل غياب الروحانية الصادقة

سمةٌ مصاحبة للمشهد الروحي الراكد: الإكثار من المظاهر الخارجيّة بغضّ النظر عن صدق الإيمان وراحة الباطن. فحينما ضعفت القيم الروحية والأخلاقية في المجتمعات العربية، تحوّل التدين إلى عروضٍ استعراضية تغني صاحبها في نظر الجماعة عن مواجهة الذات وإصلاحها. وهذا «التدين الاستعراضي» يمثّل ملاذًا أمنًا للبعض ليلبسوا لباس التقوى، فيما يظل المحتوى الحقيقي للدين مهجورًا؛ فالإسلام في أصله دعوة للحقيقة واليقين، لا مجرد شعائر شكلية.

وكمثال، لاحظ الكاتب حسن إسماعيل عن مشيخة ووقف الجزائر: «تحوَّل الاهتمام إلى المظاهر الدينية، دون ملامسة باطن الأشخاص وحقائقهم، والاهتمام بالقشور بدل اللبّ»، وهذا مما «يضر بأخلاق وممارسات الدين الإسلامي أكثر مما ينفعه». كما انتقد التيار التكفيري المبالغة في الطقوس (تجديد الطواريء، التلثيم المبالغ به، إلخ) مع تجاهل البحث العلمي والإنساني في الدين نفسه. وتنعكس النتيجة في غياب روحانيّة صادقة تقود إلى الثورة ضد تخلف النفس والاجتماع، فتبقى العربية «تتغول بها السلطة على بعضها» أو تكون عرضة للخرافات وفق وصف ياسين طارق أحمد.

الانغلاق على الذات ورفض اكتشاف الآخر

ساهم انغلاق المجتمعات العربية على الماضي ورفضها الانفتاح على «الآخر» في تعميق حالة الجمود. يصف الباحث خزعل الماجدي المسلمين بأنهم «من أكثر الشعوب انغلاقًا على أنفسهم ورفضًا للآخر المختلف»، ما يزيد من تعقيد الوضع ويشي بعجز البحث العلمي عن معالجة آيديولوجيات المجتمع. ويرى أنّ هذا الانغلاق جزء من «عطب مجتمعي»، ففي غياب حريات حقيقية وتعليم مفتوح يظل العقل العربي حبيسًا فقه قديم. ويقول الماجدي إن سطوة الثقافة التقليدية في مواجهة التحضر العلمي «جعلت المجتمعات عاطفية، غير عقلانية ولا تفهم الدين إلا من خلال الصراع مع الحاضر والحديث». وإضافة إلى ذلك، تردْد مجتمعاتنا كثيرًا وأشبه بالمتفرّجين؛ فالأجيال تكرِّر الأخطاء نفسها دون مراجعة مبادئ أو تقييمٍ موضوعي للنماذج غير العربية، كما إن الوحدة الوطنية فقدت أرضها أمام الهويات الضيقة.

تراجع العرب عن الريادة العلمية والفكرية وتأثيره على الموقف من إسرائيل

لم تكن بلاد العرب دومًا في ذيل التقدم العلمي؛ فقد شهدت الحضارة العربية الإسلامية «عصرًا ذهبيًا» امتد من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر، حيث كان العلماء العرب والمسلمون روّادًا في الفلسفة والطب والرياضيات والفلك وغيرها. لكنّ هذا الزخم الفلسفي والاقتصادي آلت به الحال إلى التراجع قبل قرون من الاستعمار الأوروبي؛ إذ يؤكد الباحث أحمد كورو أن «المسلمين كانوا متفوقين فلسفيًا واقتصاديًا على الأوروبيين الغربيين بين القرنين التاسع والحادي عشر»، قبل أن يغرق العالم الإسلامي في «ركود علمي واقتصادي» حين بدأ الاستعمار مطلع القرن التاسع عشر. وقد ربط كورو هذه المأساة بارتباط العلماء بالدولة بعد القرن الحادي عشر، ما أدّى إلى تهميش العقل الاجتماعي والتجاري تدريجيًّا وتضاؤل مستقلّة حركة الفكر.

ويترتب على هذا التراجع العلمي تهاوٍ في القدرات السياسية والقومية. فحين تتراجع الرؤية العقلية والمعلوماتية، تقل القدرة على الابتكار وصوغ استراتيجيات سياسية متماسكة. وقد شهدت العقود الأخيرة تجسيدًا له في انكفاء العرب عن تنسيق مواقف موحّدة تجاه قضاياهم المشتركة، كان أبرزها القضية الفلسطينية. ومثال على ذلك أنَّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 «أيقت الغفوة العربية بين الدول العربية، وعادوا للاهتمام بالقضية الفلسطينية والدعوة للاتحاد في مواجهة الأخطار الصهيونية»، بل استغرق الأمر حتى إشعال الانتصار الكاسح للدولة اليهودية في حرب أكتوبر 1973 لينهض بعض العرب موحدين (المبادرة العربية للسلام 2002) بعد سنوات من الجمود.

إنّ غياب الريادة الفكرية واختلال المؤسسة التعليمية والأكاديمية أسهم في فسح المجال للاستسلام لتقارير «الماضي»، فبدل الوقوف على أقدامنا العلمية حاول البعض ملاطفة إسرائيل بالدعوات إلى السلام المجمد أو التطبيع كبديل عن تحرير الأراضي. وظهر هذا جليًا في سنوات الألفية الجديدة؛ فقد اتخذت بعض الأنظمة (كتطبيع «اتفاقية أبراهام» 2020) موقفًا خوفًا من مصادر تهديد أخرى كإيران، متجاوزة القضية الفلسطينية، في حين أصرّت دول أخرى على خطاب عدائيٍّ صار نمطيًا («الأرض مقابل السلام») بلا قدرة على تحقيق أي أمل. ويؤكّد محلّلون أن التفكك الإقليمي والنظر إلى إيران كمصدر تهديد أول أضافا زخْمًا لإسرائيل كرأس حربة إقليمية.

سياسات العرب تجاه إسرائيل: تطبيع خوفًا أو عداءٌ غير فاعل

جاء تعامل الدول العربية مع إسرائيل تماشيًا مع ظروفها الجغرافية والسياسية المتضاربة. مثلاً، أعقاب هزيمة 1967 انتشرت مقولات العداء الأيديولوجي على ألسنة الأنظمة والقوى اليسارية، لكن هذا العداء بقي شكليًا في الغالب ولم يُترجم إلى خطوات استراتيجية جامعة. في المقابل، شهدت السنوات الأخيرة محاولة تطبيع نشطة مع إسرائيل، كما جسّدت اتفاقات مثل “اتفاق أبراهام” تحوّلًا في موازين التحالفات. ويشرح الباحث حسن البراري أن «التطبيع وصل إلى مرحلة تحالف تهدف إلى رسم خريطة نفوذ جديدة» في المنطقة، فاعتبرت بعض الدول الخليجية –وتحديدًا– إسرائيل عامل استقرار تتقدم به خطوة أو اثنتين بينما أصبح تهديد إيران هو المصدر الرئيس للخطر.

ومع ذلك، لم يلمس المواطن العربي الفوائد الموعودة للسلام. فالخطاب الشعبي بقي معاديًا لإسرائيل، خصوصًا بعد انتهاكات غزة الأخيرة. وقد أظهرت الوقائع أنّ الأنظمة ما لم تحسّن أوضاع شعوبها فإن التباعد العاطفي بين المواطن والسلطة ينعكس في التشكيك بأي نجاحات سياسية. ويؤكد المحلل عمرو بدر أن محاولات «الانفراد بالإقليم» من قبل إسرائيل ستقابل حتمًا رفضاً شعبياً وعُرفياً؛ فالأنظمة العربية قد تتسامح مع التطبيع الدبلوماسي دون ضجيج، لكن الشعب العربي لن يقبل قيادتنا الاحتلالية التي تنفرد بالقرارات الإقليمية.

الهيمنة الغربية على المنطقة وإسرائيل كأداة استراتيجية (وأدوار تركيا وإيران)

ضمنت القوى الغربية المسيحية سيادتها على الشرق الأوسط عبر قرون من الاستعمار والتدخل المباشر. وبُنيت هذه الهيمنة على توازن قوى يحول دون سيطرة طرف إقليمي واحد. فقد تبنّى الغرب مبدأ إبقاء إسرائيل كقوة ضابطة إقليمية جزئية، فلا يُسمح لها – بحسب بدر – بأن «تكون قائدًا أو أن تنفرد بتحديد شكل الإقليم»، لأن ذلك يقوّض مصالح الغرب ذاته. لذا يستمر التنوع الإقليمي دافعًا ضد تحول الشرق الأوسط إلى «رجال مستباحة» في نظر الغربيين. ويعكس هذا الموقف حقيقة استراتيجية: إذ تحافظ الدول الغربية دائماً على توازن متعدد؛ فالسماح لإسرائيل بالهيمنة المطلقة كان سيهدد مصالحهم في المنطقة.

في خضمِّ تلك الرهانات، استخدم الغرب إسرائيل أداةً لضبط موازين القوى؛ فرغم التباينات العربية، ظل التحالف الأمريكي – الإسرائيلي القوي – في الخلفية عاملاً مفصليًا. بالتوازي، برزت قوى إقليمية أخرى تنافسية: تركيا التي طورت سياسات خارجية نشطة لاستغلال الفراغ السوري وتحقيق نفوذ أوسع، وإيران التي واجهت تراجعًا نسبيًا في نفوذها بعد زوال حلفائها الاستراتيجيين (سوريا وحزب الله) عقب الحروب الأخيرة. فقد أشار المعلق عمر شاور إلى أن سقوط نظام الأسد أعاد معادلة القوى لمصلحة تركيا، بينما مُنيت إيران «بضربات كبيرة» على مستوى قدرتها العسكرية في لبنان وسوريا. والواقع أن تصاعد الصراع الإيراني-الإسرائيلي أخيراً يُفسر جزئياً هذا التحوّل: فإيران، التي حاولت محاربة «العولمة الإمبريالية اليهودية» من وجهة نظرها، أصبحت مركز تهديد جيوإستراتيجي كما أظهرت التحالفات الجديدة، في حين اتجهت بعض الأنظمة العربية عمليًا للتعامل مع إسرائيل بوصفها «رأس حربة ضد التوسع الإيراني».

الصراع الإيراني-الإسرائيلي وكشف الشلل السياسي العربي

إنّ حرباً مفتوحةً بين إيران وإسرائيل تفتقر إلى دور مؤثر للعرب، إن لم يكن تواطؤاً خجولاً. لقد شهدنا تصاعداً في هذا الصراع خلال 2025، بمدى تقني عسكري متطور، بينما اقتصرت مواقف عربيَّاً على بيانات استنكار عامة والتزام الصمت الاستراتيجي. وتكشف الأمثلة أنّ الأنظمة العربية لم تُظهِر إرادة جماعية حقيقية للتدخل أو التأثير: فخيار الحياد والدعوات لإيقاف التصعيد جاء غالباً تحت الضغط الغربي (خوفاً من اتساع المواجهة على أراضيها)، فيما نادراً ما بادر قادة عرب لتقديم مبادرات إقليمية. ولئن واجهت إسرائيل إدانات واسعة دولياً لما تسببه بأعمالها في غزة، فإنّ غالبية الأنظمة الرسمية ظلت تبرّر لضغط شعوبها أولوية الحفاظ على توازن القوى في المنطقة، دون الأخذ بجدية بمصالح الفلسطينيين. وهكذا كشفت هذه الأزمة العسكرية-السياسية مدى عجز العرب عن تشكيل موقف استراتيجي موحّد: فكل دولة تقدّر مصالحها الخشنة، والخلافات المذهبية والإقليمية تُعقِّد أي تعاون بين الحكومات العربية ضد التهديدات المشتركة.

التدخلات الأمريكية واستهداف الدول المستقلة

كما سجّل التاريخ الحديث، تستهدف الولايات المتحدة أيّ دولة عربية تحاول اتباع سياسة مستقلة. فمثلاً: شنَّت الولايات المتحدة غزوًا عسكريًا على العراق عام 2003 لإسقاط نظام صدام حسين الذي حاول التحرر جزئياً من الوصاية الغربية والشرقية على حد سواء. وفي سوريا وليبيا ودول أخرى، لعب الغرب دوراً مباشراً (عسكرياً أو عبر دعم فصائل) لتغيير الأنظمة الرافضة للهيمنة (كما في العدوان عام 2011 على ليبيا وتدخله المباشر في سوريا لاحقاً). وحتى لبنان شهد حرباً (تمويل أمريكي لإسرائيل عام 2006) ضد حزب الله القوي المدعوم إيرانياً. وفي كلّ هذه الحالات، سعت الولايات المتحدة لإعادة هندسة الوضع الإقليمي وفرض أنظمة أو جسور تأثير مساندة لمصالحها، وهو ما تلاحظه بعض التحليلات كنمط ثابت: «لا تبقي إسرائيل وأمريكا وإيران دولة إسلامية قوية، وجميع الجيوش العربية المفترضة… أصبحت تابعة» (على لسان متابعين). وقد كانت حصيلة هذه السياسات إضعاف مناعة الدول العربية، خاصة تلك التي حاولت التحرّر من المعادلات التقليدية، فتعرضت للهجوم أو الانقلاب أو الحصار تحت ذرائع واهية.

ملامح استراتيجية للخروج من الغفوة

تستلهم الخطوات الواعدة لتجاوز «الغفوة» دروساً من تاريخ النهضات والتحولات الفكرية. فالنهضة الأوروبية في القرون الوسطى نشطت بفكّ هيمنة الكنيسة على العقل وأعادت إلى الأحياء التراث الكلاسيكي، فأسهمت الطباعة والحركة الإنسانية في إطلاق إبداعات علمية وفنية واجتماعية جديدة. وبالمثل، ارتقى نموذج النهضة في شرقي آسيا (اليابان العصر الميجي وكوريا الجنوبية و«الاقتصاديات النمور») بدفعٍ صوب التعليم والتكنولوجيا والاقتصاديات المستقلة واستلهام العلوم العالمية. لذا يجب على العالم العربي اليوم تبني مشروع نهضوي مركّز على التعليم والبحث العلمي والابتكار، وإعادة صياغة الخطاب الديني والثقافي بمنهج نقدي، ودعم التنوع السياسي ومشاركة المواطنين في الحُكم.

في المجال الفكري، لا بد من «مشروع فكري حداثي تعددي» يُواكب التحديات المعاصرة، كما أكّد مروان المعشّر في دعوته لعمل طويل المدى من أجل مجتمع علماني ديمقراطي. ويشمل ذلك تشجيع حرية الإبداع والنقد والنشر (تقديس حرية الفكر)، إلى جانب حوارات جادة مع الغرب والشرق تبني روح التنوير العالمي دون تخلي عن الهوية. في السياسة، يتطلب الخروج من المأزق تنسيقاً عربياً فعّالاً، واعتماد سياسة خارجية مشتركة على غرار التجارب الناجحة (مثل الاتحاد الأوروبي لاحقاً) مع الحفاظ على استقلالية القرار. وقد اقترح بعض المفكرين إحياء مفهوم الجامعة العربية أو مجلس تعاون جديد يعزّز الوحدة استراتيجياً.

خلاصة القول، إنّ الخلاص من «الغفوة العربية» يتطلب استنهاض العقل والمجتمع بالعلم والوعي التاريخي. عبر مراجعة الماضي ونقده (تماماً كما فعل علماء النهضة الإسلامية والعلمانية الحديثة)، وتبني نموذج تنويري عالمي ساندته النهضات الكبرى، يمكن للعرب أن يخطوا خطواتٍ فاعلة نحو رهان الاستقلال الثقافي والسياسي، بعيداً عن تيارات التخلف والإقصاء.

المراجع: تم الاستناد في هذا المقال إلى دراسات ومقالات أكاديمية وتحليلية عربية وأجنبية، منها أعمال حسن العاصي، مروان المعشّر، ياسين طارق، حسن إسماعيل، خزعل الماجدي، أحمد ت. كورو، حسن البراري، عمرو بدر، إضافة إلى وثائق وتصريحات تاريخية. تم التنويه إلى مصادرها مباشرة في متن النص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى