لماذا تختفي القطط يوم عيد الأضحى؟ تحليل ظاهرة غريبة من منظور سلوكي وثقافي

من بين كل الظواهر الغريبة التي قد تمر على الملاحظ الحادّ في أيام عيد الأضحى، تبرز ظاهرة لافتة وغير مألوفة: أين ذهبت القطط؟
الشارع الذي كان بالأمس يعجّ بها، يفرغ فجأة. وكأن اتفاقا غير معلن جرى بينها وبين العالم: أن تغيب يوم العيد وتعود بعده.
فهل هذا مجرد صدفة؟ أم أن وراء هذه الظاهرة تفسيراً أعمق يتجاوز حدود الظن والأسطورة؟

في هذا المقال، نحاول سبر أغوار هذا السلوك المثير، مستعينين بالتحليل السلوكي، البعد الغريزي، والرؤية الثقافية.

أولاً: هل للقطط حسّ بالعيد؟

ربما يبدو السؤال عبثياً، لكنه منطقي إذا أخذنا في الحسبان أن القطط كائنات تلتقط التغيرات بدقة مذهلة. عشية العيد، تختلف إيقاعات الحياة في الأحياء: يكثر الخروج فجراً، تتعالى أصوات التكبير، ترتفع حركة المارة، وتستعد العائلات لمراسم الذبح. هذا التغيير المفاجئ في المشهد اليومي يجعل القطط في حالة تأهب قصوى.

القطط لا تعرف ما هو “العيد”، لكنها تدرك أن هناك شيئاً غير اعتيادي يحدث. وهذا وحده كافٍ لتحفيز سلوك الهروب أو الاختباء.

ثانياً: سلوك البقاء… حين تختبئ الغريزة

علم السلوك الحيواني يعلّمنا أن الكائنات تتصرف وفق ما تمليه الغريزة. وعندما تلاحظ القطط أصواتاً مرتفعة، روائح دم، تحركات غير مألوفة، فإنها تفهم أن شيئاً “غير آمن” يحدث. وهذا ما يدفعها إلى الاحتماء، ربما تحت السيارات، في زوايا المنازل، أو فوق الأسطح.

القطط لا تختفي خوفاً من الذبح، كما قد يروّج البعض في إطار الطرافة، لكنها ببساطة تطبّق قانون البقاء: تجنّب المخاطر الغامضة، حتى تثبت أنها غير مهددة.

ثالثاً: بين الأسطورة والواقع

لا يمكن أن نغفل الطابع الشعبي الذي يضفي على هذه الظاهرة بُعداً أسطورياً. فالبعض يذهب إلى القول إن القطط تعلم أنها ليست ضمن الأضاحي الشرعية، لكنها تخشى أن يُخطئ أحدهم ويذبحها خطأ. آخرون يرون فيها حيوانات “تفهم ما لا نفهمه”.

الحقيقة أن هذه التأويلات ليست سوى محاولات بشرية لتفسير سلوك طبيعي بأسلوب حكائي، وهو ما يضفي نكهة ثقافية على الظاهرة، دون أن ينتقص من بعدها الواقعي.

رابعاً: الغائب الحاضر… القطط تعود بعد الذبح

الطريف في الأمر أن القطط، بعد أن تختفي طوال فترة الذبح، تعود بقوة عند حلول العصر وما بعده. لماذا؟ ببساطة، لأن الشوارع تتحوّل إلى مآدب مفتوحة: بقايا لحم، عظام، جلد، وأجزاء غير مرغوبة من الأضاحي. إنها “وليمة العيد” التي انتظرتها القطط بصبر وذكاء.

هنا نكتشف الوجه الآخر من القصة: القطط لم تهرب من العيد، بل أحسنت إدارة حضورها فيه. اختارت الغياب وقت الفوضى، والعودة وقت الطعام.

خامساً: ما الذي نتعلمه من القطط؟

قد لا نكون نحن البشر بنفس حدة الفطرة التي تملكها القطط، لكن سلوكها يحمل درساً ضمنياً: أحياناً، الحكمة لا تكون في المواجهة، بل في التراجع الاستراتيجي. في معرفة متى تختبئ، ومتى تعود. متى تصمت، ومتى تتكلم.

في عالم سريع، مزدحم، ومليء بالمتغيرات، لا بأس أن نكون “قططاً ليوم واحد”: نختبئ في الوقت المناسب، ونعود عند حلول الهدوء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى