
الحرب بين إيران وإسرائيل: خيبر يسجّل.. والقبة تتصدّى!
في اليوم الحادي عشر من الحرب المستمرة بين إيران وإسرائيل، لم تعد الشاشات تنقل أخبارًا بقدر ما تبث مباريات. نعم، مباريات، ولكن بلا كرة ولا جمهور سعيد، بل بصواريخ لها أسماء لاعبي هجوم، وقبة حديدية تؤدي دور حارس مرمى مرهق. والنجوم؟ ليسوا إلا محللين سياسيين يظهرون يوميًا على القنوات وهم يرتدون عباءة المعلق الرياضي، يصرخون كما لو كانوا في نهائي كأس العالم: “ها قد أطلق خيبر تسديدة طويلة المدى! هل ستتجاوز القبة؟ هل تُسجل إيران هدفًا استراتيجيًا؟”
هكذا تبدو الحرب في إعلامنا العربي. فيصل القاسم يعلو صوته حتى تظنه يُنذر بركلة جزاء سياسية، ونجاح محمد علي يقسم أن “قيام” أفضل من “زلزال” في الاختراق، بينما إيلي نصرالله يعترض على خطة اللعب الإيرانية، مشيدًا بتكتيك تل أبيب في الضغط العالي. أما حسن حمزة فيستعرض خريطة الصواريخ كما يستعرض محللو البي إن سبورت خطط بيب غوارديولا.
إيران، في هذا السيناريو الهزلي، تلعب بتشكيلة صواريخ هجومية: “قيام” في الوسط، “فاتح 110″ جناح أيمن، و”سجيل” رأس حربة لا يُرد. كل صاروخ يُقدم للجمهور بتقرير فني خاص: مداه، سرعته، قوته التدميرية، كما لو كنا نقرأ إحصائيات ميسي في موسم 2012. وإذا فشل صاروخ في إصابة هدفه، يخرج المحلل ليلقي باللوم على “التمريرات الخاطئة من الحرس الثوري”.
أما القبة الحديدية الإسرائيلية، فهي ليست نظامًا دفاعيًا بقدر ما هي “حارس مرمى الموسم”، يتلقى إشادة الصحف: “نسبة صد بلغت 90%!”، يصرخ مذيع القناة وكأننا أمام أداء مانويل نوير في ذروة عطائه. لكن فجأة، عندما يفلت صاروخ ويسجل “هدفًا” في تل أبيب، يبدأ الحديث عن تراجع مستوى الدفاع، وضرورة تحديث المنظومة، وربما تغيير المدرب (أي وزير الدفاع).
والغريب أن التغطية الإعلامية تركّز على “كم صاروخ نجح؟” و”من سجل أهدافًا أكثر؟”، كما لو أن المسألة لا تتعلق بأرواح بشر، بل بنتائج مباراة في دوري مشبوه. لا ذكر للضحايا، لا ذكر للدمار، فقط منافسة إحصائية محمومة: “إيران أطلقت 450 صاروخًا، إسرائيل صدت 400، النتيجة: 50-0 مع فرصة للعودة في الشوط الثاني”.
والولايات المتحدة؟ إنها ببساطة الراعي الرسمي للدوري. تبيع الكرات (الأسلحة)، تعيّن الحكام (المبعوثين)، وتنقل المباراة حصريًا على شبكاتها. بل وتدخل الملعب أحيانًا، كما فعلت في عملية “مطرقة منتصف الليل”، حين استخدمت سبع قاذفات B2 لتوجيه ضربات دقيقة لمواقع إيرانية. ثم يغرّد ترامب: “Bullseye!!!”، وكأننا أمام تعليق على ضربة ثلاثية ناجحة في مباراة كرة سلة.
العبث لا يتوقف عند هذا الحد. فحين تُقصف منشأة نووية في أصفهان، يناقش المحللون ما إذا كانت في موقع تسلل. وعندما تسقط عشرات القتلى من المدنيين، يُعتبر ذلك “خطأ تكتيكي”، أو كما يقول معلق رياضي: “كان يمكن تفاديه لو تم التمركز بشكل أفضل”.
حتى الشعوب، المغلوبة على أمرها، باتت تشاهد هذه المهزلة دون أن تفهم من يلعب ضد من، ومن أجل ماذا. إيران وإسرائيل تتنازعان كطفلين على لعبة مكسورة، كل منهما يصرخ: “إنها لي!”، بينما الولايات المتحدة تشاهد بابتسامة ساخرة، وتعدّل النتيجة حسب مصالحها.
في الخلفية، ترتفع أصوات الإنذارات، يسقط المدنيون، تُهدم المنازل، لكن المعلقين لا يتوقفون: “ها هو صاروخ زلزال ينطلق من العمق الإيراني، يراوغ الدفاع، يخترق الأجواء، هل يسجل هدفًا ذهبيًا؟”
كم هي مهينة هذه اللغة حين تُستخدم لتجميل بشاعة الموت. الحرب ليست مباراة. الصواريخ ليست لاعبين. القتلى ليسوا نقاطًا. وما نراه ليس نصرًا بل انحدارًا في الوعي والإنسانية.
لكن طالما بقي الإعلام يعامل الحرب كأنها مباراة ودية، وطالما استمر المحللون في تقمص دور المعلقين، ستستمر هذه المهزلة. وسيظل الدم يُسكب بصمت، بينما تُدوَّن النتائج في شريط الأخبار: “إيران تسجل هدفًا جديدًا، إسرائيل ترد بسرعة، الولايات المتحدة تراقب وتبتسم”.
أهلاً بكم في دوري الهلاك.







