
الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025: الأهداف والتداعيات الاستراتيجية
التحليل الجيوسياسي للهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو 2025 وانعكاساته الإقليمية
في محتوى هذا المقال
في فجر الثالث عشر من يونيو 2025، نفّذت إسرائيل هجومًا جويًا واسع النطاق استهدف أكثر من مئة موقع داخل إيران، شملت منشآت نووية ومقرات عسكرية للحرس الثوري ومنازل قادة وعلماء نوويين. وقد تبنّى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الهجوم تحت اسم “عملية الأسد الصاعد”، مؤكدًا أن قواته استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ، والقدرات العسكرية. كما أعلن أن العملية ستستمر “ما دامت ضرورية”.
غير أن حجم الضربات ونوعية الأهداف المستهدفة يُشير إلى أن الهدف لم يكن فقط تعطيل البرنامج النووي، بل ربما يتعداه إلى إضعاف النظام الإيراني ذاته أو تغيير قواعد المواجهة الإقليمية. فقد أسفرت الضربات عن مقتل عدد من كبار القادة، من بينهم قائد الحرس الثوري ورئيس الأركان، وألحقت أضرارًا جسيمة بمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية.
السيناريوهات العسكرية والاستخباراتية
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن إسرائيل خططت لهذه العملية بدقة فائقة، اعتمادًا على قدرات استخباراتية عالية، يُعتقد أن الموساد قد نشر من خلالها خلايا سرية داخل إيران، استخدمت في تهريب طائرات مسيّرة مفخخة وأجهزة تجسس منذ أشهر.
ويُرجّح أن هذه المسيّرات لعبت دورًا تمهيديًا بالغ الأهمية، حيث استهدفت مراكز القيادة والسيطرة ومواقع دفاعية، مما مهّد الطريق للطائرات الحربية الإسرائيلية لاختراق الأجواء الإيرانية.
هذا المستوى من التنسيق بين الاستخبارات والهجوم الجوي يؤكّد أن إسرائيل تمتلك قدرات سيبرانية متقدمة، تمكّنها من اختراق أكثر الأنظمة الأمنية تعقيدًا، مما يُثير تساؤلات حول قدرة دول المنطقة، مثل مصر، على حماية فضائها السيادي من اختراق مماثل.
سلاح الجو الإسرائيلي والتوازن الإقليمي
يمتلك سلاح الجو الإسرائيلي واحدة من أقوى القوات الجوية في العالم من حيث النوعية، حيث يضم أكثر من 600 طائرة، منها ما يقارب 241 مقاتلة من طرازات متقدمة مثل F‑15I، F‑16I، والطائرة الشبحية الأحدث F‑35 Lightning II، التي تُعتبر مفتاح التفوق التكنولوجي لإسرائيل.
تُوفّر هذه الطائرات قدرات هجومية بعيدة المدى، وخصائص تخفٍّ متقدمة، وأسلحة ذكية تُغيّر قواعد الاشتباك في أي ساحة قتال.
وفي المقابل، تمتلك مصر وبعض الدول العربية طائرات متقدمة مثل رافال الفرنسية وميغ-29 الروسية، إلا أن افتقار هذه المقاتلات إلى صواريخ بعيدة المدى – مثل Meteor وPL-15 – يحدّ من فعاليتها أمام سلاح الجو الإسرائيلي.
ويُذكر أن الولايات المتحدة تفرض قيودًا مشددة على نوعية التسليح الذي تورّده للدول العربية، لضمان تفوّق إسرائيل النوعي، أو ما يُعرف بـ**”التفوق العسكري النوعي” (QME)**.
الرد الإيراني والصورة المتغيرة للردع
ردّت إيران بهجوم صاروخي واسع، مستخدمة أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة استهدفت العمق الإسرائيلي، خصوصًا مناطق تل أبيب وبئر السبع.
وقد تسبّب الهجوم الإيراني في مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات، مع وقوع أضرار مادية كبيرة وصفتها الصحف الإسرائيلية بـ”غير المسبوقة”.
رغم فاعلية منظومات الدفاع مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود، فقد تبيّن أنها غير كافية لاعتراض كل المقذوفات في حال الهجوم الكثيف.
وهذا يعيد إلى الواجهة خطر الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الدقيقة، ويؤكد أن ميزان الردع في الشرق الأوسط بات أكثر هشاشة وتعقيدًا مما كان عليه سابقًا.
مصر… في عين العاصفة المقبلة؟
تمثّل هذه التطورات إنذارًا استراتيجيًا مباشرًا لمصر والدول العربية.
فإسرائيل، في سعيها لاحتكار القوة العسكرية العليا في المنطقة، دأبت منذ عقود على ضرب مراكز القوة الإقليمية، بدءًا بالعراق، مرورًا بسوريا، وها هي اليوم تستهدف إيران.
وليس من المستبعد أن تكون مصر، باعتبارها أكبر قوة عسكرية نظامية عربية، هدفًا في الاستراتيجيات بعيدة المدى لتل أبيب.
تتقاطع هذه التحذيرات مع التقارير الإسرائيلية التي عبّرت مرارًا عن قلقها من تنامي قوة سلاح الجو المصري، لا سيما إذا حصلت القاهرة على طائرات من طراز J‑10C الصينية أو صواريخ بعيدة المدى.
ومع أن العلاقات الرسمية بين القاهرة وتل أبيب مستقرة ظاهريًا، فإن التحركات الإسرائيلية العسكرية والاستخباراتية تُظهر بوضوح أن إسرائيل لا تثق بأي توازن قوى في محيطها، وتسعى دائمًا إلى تحطيمه.
خلاصة وتحذير استراتيجي
إن الهجوم الإسرائيلي على إيران ليس مجرد ردع نووي، بل قد يكون مقدمة لتفكيك آخر جيش عقائدي قوي في المنطقة. وإذا تمّ ذلك، فإن الهيمنة العسكرية لإسرائيل ستُصبح غير قابلة للمنافسة، ما يجعل أي ردع عربي مستقبلي مستحيلاً.
لذلك، يجب على مصر أن تضع سيناريوهات واقعية لتحديث منظومتها الدفاعية، خصوصًا الدفاعات الجوية، وطيرانها المقاتل، وأن تسعى لامتلاك صواريخ جو-جو بعيدة المدى، وأنظمة رادارية متقدمة، ووسائل حرب إلكترونية.
كما ينبغي على القيادات السياسية والعسكرية العربية أن تدرك أن التوازن لا يُبنى على النوايا الحسنة أو الاتفاقيات فقط، بل على الوقائع الميدانية والتفوق التكنولوجي الحقيقي.
فإسرائيل، كما أثبتت عبر العقود، لا تُفرّق بين تهديد عسكري مباشر وتهديد محتمل، وستعمل دائمًا على إزاحة كل من قد ينافسها، حتى ولو كان حليفًا ظرفيًا.







