حين تعبر القلوب الحدود وتصرخ تونس بأعلى صوتها “غزة لستِ وحدك!”
في محتوى هذا المقال
في زمنٍ باتت فيه المعابر مغلقة، والأصوات خافتة، قرّرت تونس أن تفتح طريقًا لا تمرّ به الشاحنات فحسب، بل تمضي عليه الضمائر الحيّة، لتعلن أن القضية الفلسطينية ما زالت تنبض في وجدان الشعوب الحرة. إنها قافلة الصمود، القافلة التي لم تحمل سلاحًا ولا غذاءً، بل حملت موقفًا… وموقفٌ يُحرّك الجبال.
من شارع محمد الخامس… إلى أبواب غزة
في صباح 9 يونيو 2025، تحوّل قلب العاصمة التونسية إلى مهرجانٍ وطني بطابعٍ أممي. لوّحت الأعلام التونسية والفلسطينية جنبًا إلى جنب، وسارت نحو 300 مركبة من سيارات، حافلات، وشاحنات صغيرة محمّلة بالناشطين والحقوقيين، نحو معبر رأس جدير الحدودي. ومن هناك، بدأت ملحمة الطريق التي اخترقت الأراضي الليبية في اتجاه مصر، أملاً بالوصول إلى معبر رفح، بوابة غزة المغلقة بوجوه كثيرة ومفتوحة في قلوب الجميع.
وحدة مغاربية بألوان فلسطينية
ما يميّز هذه القافلة ليس عدد المشاركين فحسب (أكثر من 2,000 ناشط مغاربي)، بل الروح التي جمعت تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا في جسدٍ واحد. نساءٌ يرفعن صور الأطفال الشهداء، رجالٌ يرددون “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”، وأصوات ترتفع بأملٍ نقي: “لسنا حكومات… نحن الشعوب، ونحن هنا”.
في مشهد نادر، اتفقت فيه الجغرافيا والوجدان، أرسلت الشعوب المغاربية رسالة واحدة إلى العالم: غزة ليست وحيدة، بل محاطة بأمةٍ تحبّها، تحرسها، وتحلم معها بالحرية.
ليست قافلة مساعدات، بل قافلة كرامة
لم تُنظم القافلة لتفريغ شحنة أغذية أو معدات، بل لتفريغ السكوت العربي والدولي المريب. إنها قافلة رمزية، نعم، ولكنها ذات وقع ضخم. فهي تجسيد حي لفكرة أن الشعوب قادرة على صنع المشهد، وفرضه على الواقع الإعلامي والسياسي، حتى دون دعم رسمي.
التحدي المصري: تأشيرات… وسيادة!
وزارة الخارجية المصرية لم تتأخر في الرد، فأعلنت ضرورة التنسيق المسبق للحصول على تأشيرات لمن يرغب في العبور نحو غزة عبر معبر رفح. وهو ما تلتزم به تنسيقية العمل من أجل فلسطين، الجهة المنظمة، مؤكدة أنها فتحت قنوات تنسيق مع السفارة المصرية منذ البداية. لكن… تبقى الأنظار مشدودة نحو القرار المصري النهائي، هل تفتح القاهرة قلبها قبل حدودها؟
الشارع التونسي: “الصمود مشهدنا الأخير… أو بدايتنا الجديدة”
ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي لم تتأخر، حيث امتلأت منصات تويتر وفيسبوك وتيك توك بمقاطع تُظهر لحظات الانطلاق، هتافات المشاركين، وتفاصيل الطريق الوعرة. لكن الأكثر تأثيرًا كانت دموع أمّ تونسية ودّعت ابنها وهو يقول: “إلى غزة… مش نموت، نمشي نحبّ”.
قافلة الصمود: هل تصل؟ ربما. هل أثّرت؟ قطعًا.
سواء وصلت القافلة إلى حدود غزة أو أُعيدت على مشارف سيناء، فإن الحدث حُفر في الذاكرة الجمعية. إنه ليس مجرد عبور جغرافي، بل عبور رمزي من حالة الصمت العربي إلى الفعل الشعبي.
ربما لا تكسر القافلة الحصار العسكري، لكنّها كسرت حصار الخوف، وأعادت للضمير العربي مساحة للتنفس.
خاتمة: في زمن الرماد… تونس تُشعل شرارة “الصمود”
في عالمٍ يتّسع للخذلان، قررت تونس أن تضيق بالسكوت. قافلة الصمود لم تكن فقط رحلة نحو غزة، بل كانت رحلة في عمق الوجدان العربي، وصرخةً تقول: “لسنا عاجزين… نحن فقط صامتون، واليوم نكسر الصمت”.







