كيف تجني ميتا مليارات الدولارات من واتساب المجاني؟

السر في تحويل المستخدمين إلى سلعة!

عندما أرسلت تلك الرسالة السريعة لصديقك عبر واتساب، أو شاركت صورة العائلة في مجموعة الدردشة، هل تساءلت يومًا: كيف يربح هذا التطبيق المجاني مليارات الدولارات بينما لا أدفع شيئًا؟ المفارقة تكمن في أننا – المستخدمين – لسنا العملاء الحقيقيين، بل نحن المنتج الذي يتم تسويقه! الشركة الأم “ميتا” (المالكة لفيسبوك وإنستجرام وواتساب) تحولت إلى ماكينة طَبع أموال عبر نموذج أعمال خفي، وهنا تكشف الأسرار:


أولاً: المستخدمون مجاناً.. لكن الشركات تدفع المليارات

السر الأساسي يكمن في تحويل واتساب إلى جسر تجاري بين الشركات والعملاء:

  • خدمة واتساب للأعمال: تدفع الشركات لميتا مقابل التواصل مع العملاء عبر واتساب، مثل إرسال تأكيدات الطلبات أو دعم العملاء. في الهند – حيث يبلغ عدد المستخدمين ٥٠٠ مليون – يمكنك حجز تذكرة حافلة واختيار مقعدك كاملاً عبر واتساب .
  • الإعلانات المدفوعة: تدفع الشركات لفيسبوك لعرض إعلانات تحمل زر “تواصل عبر واتساب” مباشرة، مما يسهل بدء محادثات مبيعات. ٥٣٪ من المتسوقين يفضلون التواصل مع الشركات عبر منصات المراسلة مثل واتساب .
  • قنوات البث المجانية: منذ ٢٠٢٣، أصبح للشركات إنشاء “قنوات مجانية” على واتساب (شبيهة بقنوات تليجرام) لإرسال رسائل جماعية للمشتركين، مع دفع ميتا مقابل خدمات متقدمة مثل إجراء معاملات مالية داخل التطبيق .

حسب نيكيلا سرينيفاسان (نائب رئيس ميتا): “رؤيتنا أن تنجز الشركات وعملاؤها كل شيء عبر سلسلة محادثات واحدة دون مغادرة واتساب” . هذه الرؤية تدر حالياً “عدة مليارات دولار” سنوياً لميتا!


ثانياً: الهند.. مختبر واتساب التجاري الناجح

الهند ليست أكبر سوق لواتساب فحسب، بل هي النموذج الأكثر تطوراً لتحويل التطبيق إلى منصة تجارية:

  • حجز التذاكر ودفع الفواتير وإتمام عمليات البنوك كلها تتم داخل واتساب دون تطبيقات خارجية.
  • الشركات تدفع مقابل “روابط دردشة سريعة” تظهر في إعلانات فيسبوك، تنقل العميل مباشرة لمحادثة واتساب .
  • هذا النموذج بدأ التوسع عالمياً، خاصة في دول مثل البرازيل وإندونيسيا، حيث يُعرف واتساب باسم “زاب زاب” .

ثالثاً: لماذا تعجز تطبيقات المراسلة المنافسة عن المنافسة؟

مقارنة سريعة تكشف تفرد نموذج ميتا:

التطبيقنموذج الربحالتحديات الرئيسية
واتسابخدمات الأعمال + إعلانات فيسبوكمخاوف الخصوصية
سيغنالتبرعات (غير ربحي)محدودية التمويل
تيليجرامتمويل مستثمرين + إعلانات محدودةضغط لتحقيق أرباح
ديسكورداشتراك “نيترو” (٩.٩٩ دولار شهرياً)اعتماد على مجتمع الألعاب

حتى سناب شات – الذي يجمع بين الإعلانات واشتراكات “بلس” وبيع نظارات سبيكتاكلز – لم يصل لنجاح واتساب في التكامل مع النظام الإيكولوجي لشركة أم .


رابعاً: المستخدم هو “المنتج”.. نظرية تعمل بامتياز!

“إذا كنت لا تدفع مقابل المنتج، فأنت المنتج” – هذه العبارة الشهيرة تشرح جوهر نموذج أعمال واتساب:

  • البيانات سلعة ثمينة: حتى مع تشفير المحادثات، تَجمَع ميتا بيانات عن: (١) جهات اتصالك، (٢) توقيت استخدامك، (٣) نوع الجهاز، (٤) اهتماماتك عبر تفاعلك مع إعلانات فيسبوك.
  • استهداف إعلاني دقيق: هذه البيانات تباع للمعلنين عبر فيسبوك وإنستجرام، حيث يصل سعر النقرة في الإعلانات المستهدفة بدقة إلى ٣ دولارات .
  • التكامل القاتل: خاصية “زر واتساب” على صفحات فيسبوك تربط بين منصات ميتا، مكونة حلقة مغلقة من جمع البيانات والتحويلات المالية.

مستقبل واتساب: من مجرد دردشة إلى “سوبر آب” مالي!

مع اتجاه ميتا لفرض اشتراكات مدفوعة لخدمات مثل “ميتا فيريفايد” (بـ ١١.٩٩ دولار شهرياً) ، قد نشهد تحولاً في نموذج واتساب:

  • دفع مستخدمين مقابل ميزات مميزة: مثل علامات توثيق أو دعم فني مخصص.
  • التوسع في الخدمات المالية: تحويل واتساب لمحفظة إلكترونية (كما حدث في الهند).
  • تحديات الخصوصية: الضغوط التنظيمية في أوروبا (مثل غرامة ١.٢ مليار يورو على ميتا ) قد تضغط لفرض اشتراكات اختيارية.

الخاتمة: اللعبة الأذكى في عالم التكنولوجيا

بينما ننشغل بتبادل الرسائل والصور على واتساب، تحولته ميتا إلى أداة استخراج ذهب خام: بياناتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا! الشركات هي العميل الحقيقي، ونحن الجسر الذي تعبر عليه مليارات الدولارات. قد لا ندفع مالاً، لكننا ندفع بما هو أثمن: انتباهنا وخصوصيتنا ووقتنا. هل تستحق هذه المقايضة استمرارنا في استخدام التطبيق؟ هذا سؤال لكل مستخدم يجيب عليه بمفرده بينما تغتني ميتا أكثر فأكثر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى