وردة الجزائرية: السيرة الذاتية لأميرة الطرب العربي


البدايات: النشأة بين باريس وتراث الثورة

وُلدت وردة فتوكي في 22 يوليو/تموز 1939 بالحي اللاتيني في باريس، لأبٍ جزائري مناضل ضد الاستعمار الفرنسي، وأمٍّ لبنانية من عائلة “يموت” البيروتية . نَشَأَت في فندقٍ يَمْلِكُه والدها، حيث تعلَّمت أولى نوتاتها الموسيقية تحت إشراف المغني التونسي الصادق ثريا، الذي أشرف على صقل موهبتها وهي تُردِّد أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ في طفولتها . لم تكن باريس مجرد مكانٍ للولادة، بل مَشْغَلًا فنيًّا مبكرًا تَشَكَّل فيه صوتها الشجي، الذي جذب الانتباه حين غنَّت لأول مرة في الإذاعة السورية عام 1959، مُحاكيةً أسلوبَ المطربات العظيمات .


بين السياسة والفن

في مطلع الستينيات، انتقلت إلى القاهرة بدعوة من المخرج حلمي رفلة، الذي قدَّمها في فيلمها الأول “ألمظ وعبده الحامولي” (1962)، لكنَّ مسيرتها واجهت عاصفةً سياسيةً حين أُشيعت علاقتها بالمشير عبد الحكيم عامر، ما أدى إلى قرارٍ بإبعادها من مصر في عهد عبد الناصر . هذه الأزمة، التي وُصفت بأنها “مؤامرة شائعات”، أجبرتها على العودة إلى الجزائر المُستقلة حديثًا، حيث تزوَّجت المناضل جمال قصيري واعتزلت الفن عشر سنوات، أنجبت خلالها ابنيها “رياض” و”وداد” .

لكنَّ الفن كان يطرق بابها مجددًا عام 1972، حين طلب الرئيس هواري بومدين منها أن تُحيي احتفالات عيد الاستقلال العاشر بأغنية “عدنا إليك يا جزائرنا الحبيبة”، التي كتبها الشاعر الجزائري صالح خرفي ولحَّنها المصري بليغ حمدي، لتبدأ فصلاً جديدًا في حياتها .


العودة إلى القاهرة: الزواج من بليغ حمدي وانطلاق الأسطورة

بعد طلاقها من قصيري، عادت إلى مصر لِتَتَزَوَّجَ بليغ حمدي (1972–1979)، الذي حوَّل صوتها إلى إرثٍ فنِّي خالد. من ألحانه الخالدة: “أولاد الحلال”، “منعدكش فكرة”، و“يا أهل الهوى” . لكنَّ الانطلاقة الحقيقية جاءت مع أغنية “أوقاتي بتحلو” (1979) التي كُتِبَت لأم كلثوم، لكنَّ الموت عاجلها، فحفظتها وردة كـ”وصية فنية” من سيد مكاوي .

تعاونها مع عمالقة الموسيقى مثل محمد عبد الوهاب (في “الوطن الأكبر”) ورياض السنباطي (في “بلاش تفارق”) جعلها جسرًا بين المدرسة الكلاسيكية والحداثة، حيث مزجت بين الطرب العربي والألحان الجزائرية الأصيلة .


الإرث السينمائي والتلفزيوني: بصمة متعددة الأوجه

لم تكن وردة مجرد صوت، بل ممثلةٌ قدَّمت ستة أفلام، منها “أميرة العرب” (1963) مع رشدي أباظة، و“صوت الحب” (1973)، ومسلسل “أوراق الورد” (1979) الذي جسَّدت فيه شخصيةً قريبةً من سيرتها الذاتية . كما شاركت في أوبريتات وطنية مثل “الوطن الأكبر”، الذي طلب عبد الناصر نفسه إضافة مقطع لها فيه .


المرض والرحيل: “أريد العودة إلى الجزائر فورًا”

في سنواتها الأخيرة، خضعت لجراحة زراعة كبد في باريس، لكنَّ الموت فاجأها بسكتة قلبية في 17 مايو/أيار 2012 في منزلها بالقاهرة. نُقِل جثمانها إلى الجزائر بطائرةٍ عسكريةٍ بأمرٍ من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ودُفِنَت في مقبرة العالية، مثواة الأبطال الوطنيين، لتُطويَ حياتها حيث بدأت: بين جزائر الثورة ومصر الفن .


خاتمة: “أيقونة الهوية المزدوجة”

وردة الجزائرية لم تكن مجرد صوت، بل سرديةٌ عن انتماءٍ عابرٍ للحدود. من باريس إلى بيروت، ومن القاهرة إلى الجزائر، حَمَلَت تراث الثورة في صوتها، وجسَّدت بفنها حوارًا بين الشرق والغرب، بين الأصالة والحداثة. هي ابنةُ الثورة الجزائرية التي غنَّت لمصر، وابنةُ الطرب الذي حوَّل المأساة إلى لحنٍ خالد. كما قال ابنها رياض: “كانت تنفق على العائلة بأكملها، لكنَّ الفن كان يناديها” .
بقيت وردة — حتى في غيابها — وردةً لا تذبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى