شكيب أرسلان أمير البيان

جولة في أهم مراحل حياته الفكرية وآرائه السياسية

شكيب أرسلان من مواليد 1869، توفي سنة .1946 هو ابن للاسرة درزية عريقة في جبل لبنان ، اعتنق المذهب السني، و لم يتخلى عن هويته الدرزية ، معتقدا أن الدرزية و المذهب السني تجمعهما مسائل مشتركة.

كان الأمير شكيب أرسلان محافظا على فرائض الإسلام الرئيسية. مثل الصوم و الصلاة و غير ذلك.

البداية

كان شكيب أرسلان يعمل في الإدارة العثمانية في جبل لبنان و سورية ، كان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى. 

سنة 1902 عين الأمير شكيب، قائمقام لمنطقة الشوف في جبل لبنان لمدة محدودة ، ثم واصل في ذات المنصب سنة 1908 . واستمر فيه حتى سنة 1910.

شكيب أرسلان حياته السياسية

خلافا لصديقه الشيخ رشيد رضا، لم يكن شكيب أرسلان منتقدا البتة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، عندما أجبره ضباط ( تركيا الفتاة) على الرجوع إلى دستور 1876. لكنه في الأثناء، تحالف مع جمعية ( الإتحاد والترقي) و انتخب نائبا سنة 1914 في ( مجلس المبعوثان) العثماني أي البرلمان عن حوران ، وهي منطقة سورية خارج جبل لبنان و ذات أغلبية درزية.

قبل بضعة أشهر، كان شكيب أرسلان قد انضم إلى حزب عربي تكون في دمشق و سمي ( حزب الإصلاح الحقيقي) ، كانت أهدافه ، دعم الحكومة العثمانية في مواجهتها للأخطار الخارجية، دون الدخول في المناكفات السياسية الداخلية.

في الواقع كان هذا الحزب يهدف أيضا إلى مجابهة حزب آخر عتيد وهو ( حزب اللامركزية الإدارية العثماني) ، الذي تم إنشاؤه في القاهرة في بداية سنة 1913، إذ كان الشيخ رشيد رضا أحد مؤسسيه الأوائل.

كان حزب (اللامركزية الإدارية العثماني)، يطالب بحصول الولايات العربية على حكم ذاتي مستقل عن ” الباب العالي”. في المقابل كانت ( جمعية الإتحاد والترقي) الحاكمة، تصمم على المركزية و على تتريك الإدارة و التعليم في المناطق العربية الخاضعة للحكم العثماني.

من خلال هذا، نتبين أن الأمير شكيب أرسلان والشيخ رضا كانا ينتميان إلى جبهتين متقابلتين و متناقضتين.

عند انتخابه عضوا في البرلمان العثماني ، ألف شكيب أرسلان كتابا بعنوان ( إلى العرب …بيان للأمة العربية عن حزب اللامركزية). هاجم فيه كل دعاة الإنفصال عن مركز الإدارة العثماني.

كان كتاب شكيب أرسلان ( إلى العرب….) ، ردا على مخرجات المؤتمر العربي الأول …بيان إلى الأمة العربية من حزب اللامركزية الإدارية العثماني. و الذي تم انعقاده في العاصمة الفرنسية باريس سنة .1913 و كان قد حرره آن ذاك الشيخ عبد الحميد الزهراوي.

جمعية الإتحاد والترقي 

وفقا لأفكاره، كان شكيب أرسلان يعتقد أن القومية العربية انصهرت كليا مع الهوية الإسلامية منذ فجر الإسلام و البعثة المحمدية. و يخلص أيضا ، إلى أن ذلك الإنصهار العربي في الهوية الجديدة، أدى إلى هزيمة الفرس والبيزنطيين على وجه الخصوص.

أما الشيخ رشيد رضا فكان يقبل بهذا الرأي ، لأن غاية فكره في المحصلة كانت إنشاء دولة إسلامية حقيقية .

اختلف الرجلين و نعني رشيد رضا و شكيب أرسلان، حول كيفية تحقيق هذا الهدف ( بناء دولة إسلامية) ، أما الشيخ رضا فكانت الأولوية لديه هما اللغة و الحضارة العربية، و الدفاع أيضا عن سوريا ضد أطماع فرنسا الهادفة إلى احتلالها.

حينما أصرت ( جمعية الإتحاد والترقي ) بنزعتها القومية التركية على انتهاج سياسة ” التتريك”، تغلب شكيب أرسلان على تململه الفكري ، و تحالف مع بريطانيا دفاعا عن سوريا التي أصبحت محل أطماع دول كثيرة .

إلى سنة 1900 بدأ الأمير شكيب أرسلان يطلق مجموعة من التصريحات و المقولات مثل :

إن الشغف بتاريخ العرب و السعي لإحياء مجدهم، يساويان العمل من أجل وحدة الإسلام، التي تحققت في الماضي فقط عبر العرب ، و التي لن تستعاد في هذا القرن إلا بواسطتهم.

في البداية لم تكن أوجه الخلاف حادة بين مناصري اللغة التركية و بين المتشبثين باللغة العربية، وذلك لاعتبار أن التركية اللغة الرسمية للدولة و العربية هي لغة الدين و التشريع.

لم يكن شكيب أرسلان مناصرا التتريك بأي حال أو شكل من الأشكال ، و لكنه آثر عدم الخوض في تلك المسألة على الأقل في تلك المرحلة .

الخلاف بين رشيد رضا و شكيب أرسلان، يمكن وصفه  بالخلاف التكتيكي. لأن شكيب أرسلان كان يعطي الأهمية القصوى إلى الذود عن قلب الدولة القوي. أي القلب العسكري والديني أي الإمبراطورية العثمانية . و كان يخشى على الدولة من ( أخطار الإنهيار و التقاسم و التلاشي) و كان يعتبر الدولة العثمانية حاضنة للعرب و حصنا يمنع عنهم مخاطر القوى الاستعمارية الطامعة.

أما الشيخ رشيد رضا، فقد أصبح يتحسس ضعف المركز في تركيا خاصة بعد إحتلال طرابلس الغرب من قبل الجيش الإيطالي عام 1911.

شكيب أرسلان و فكرة الدولة المقدسة

في مواجهة فكرية بين شكيب أرسلان و عبد الحميد الزهراوي ، وهو أحد زعماء ( حزب اللامركزية العثماني). و الذي تأسس في مصر قبل نشوب الحرب العالمية الأولى ، دافع شكيب أرسلان عن “الباب العالي” ، ودعا العرب أن يتكاتفوا إلى جانب تركيا. في حالة نشبت الحرب بينها و بين الطامعين في غزوها و اغتنام أراضيها الشاسعة. أما عبد الحميد الزهراوي فقد أجابه متسائلا : أين الدولة العثمانية؟ لقد ذهبت…

في هذا الخضم و النزاع الفكري و السياسي، كانت الإمبراطورية العثمانية قد إنتهت أو في طريقها نحو النهاية ، بعد أن تكبدت سلسلة من الهزائم بين ( 1911-1913) في ليبيا ( طرابلس الغرب) وكذلك البلقان حيث غريمها التقليدي روسيا القيصرية آن ذاك.

أصبح العرب حينئذ أكثر وعيا بضرورة التعويل على أنفسهم و التخلي نهائيا و إلى الأبد عن التبعية إلى الأتراك. و كان الشيخ رشيد رضا يساند شكيب أرسلان في مسألة أن الحرب الدائرة بين أوروبا الاستعمارية، و تركيا العثمانية هي مواجهة بين الغرب المسيحي والإسلام. و انتصار المسيحية هنا يعد وفقا للرجلين هزيمة للاسلام.

يقول شكيب أرسلان في هذا الخضم من الصراع والمواجهة بين أوروبا المسيحية و الإمبراطورية العثمانية:

بعد محاربة أوروبا الدولة العلية بجميع أصناف الحروب. تأتي لكي تحاربها بحرب جديدة تذكي الرابط القومي ( الجامع العرقي) في الشعوب الإسلامية . إنها تفعل ذلك لكي تتلاشى الروابط الاسلامية ، فلا يبقى مجال للألفة بين المسلم الصيني و الهندي و التركي و العربي.

إن اندفاع الأمير شكيب أرسلان في الذود عن حرمة الدولة المركزية في إسطنبول، جعله يصفها بأنها ” أقدم سلالة دافعت عن الإسلام طوال حقبة امتدت طيلة 600 عام كاملة ، تقاتل أوروبا المسيحية على جبهة ، والدولة الصفوية الفارسية ( إيران اليوم) على جبهة أخرى”.

أصر شكيب أرسلان في معظم كتاباته وأقواله ومحاضراته على وجوب اعتبار الدولة العثمانية مقدسة لدى العرب ، لأنها أعلت راية الدين الإسلامي  الذي كانوا السابقين في نشره والدعوة إليه. فيقول في هذا السياق” إن أصل الدولة عربي ، وقوتها قوة للعرب ، و لأولئك الذين صار دين العرب دينهم”.

يذهب شكيب أرسلان إلى أبعد من ذلك كثيرا ، إذ يعتبر أن ” الأتراك تلامذة العرب في الإسلام” . كما احتوى إصرار شكيب أرسلان على مناهضة الغرب المسيحي، عناصر من فكر جمال الدين الأفغاني، أي الإسلام الشمولي و لكن بزي عثماني و ربما انكشاري أيضا.

ما بعد الحرب العالمية الأولى 

تسببت الحرب الكبرى الأولى، في تغيير سياسي عميق في المنطقة . فرنسا وبريطانيا العظمى أصبحتا ذات نفوذ في المشرق ، بموجب ما يعرف بنظام الانتداب الذي فرض في البداية على سوريا ولبنان من طرف فرنسا، و كذلك الإنتداب الذي فرض على فلسطين و العراق من قبل بريطانيا.

هذه الخارطة الجديدة للمنطقة العربية، جعلت من رشيد رضا، وشكيب أرسلان يتغاضيان عن الخلافات بينهما. و يوجهان فكرهم نحو عدو مشترك وهو الإنتداب الفرنسي البريطاني.

في البداية كان ( العروبيون) مستعدين للتحالف مع بريطانيا في سبيل الاستقلال عن تركيا . و لكنهم خلصوا في النهاية إلى أن الاستجداء بلندن، لن يضفي سوى إلى هيمنة جديدة وهذه المرة هيمنة أوروبية مسيحية.

في سنة 1921 وفي المؤتمر السوري الذي انعقد في ( جنيف)، سعى شكيب أرسلان و كذلك رشيد رضا، إلى تنسيق وجهة نظر الوطنيين السوريين و الفلسطينيين ،و طالبا كلاهما بالوحدة السورية و الاستقلال التام غير المشروط.

في ذلك المؤتمر، انتخب رشيد رضا نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر، إذ كان عضوا هاما في البعثة المرسلة إلى عصبة الأمم. كما انتمى الإثنين شكيب و رضا إلى المجموعة التي كانت متمسكة بالهوية الإسلامية للقومية العربية التي يدافعان عنها.

انهارت الدولة العثمانية، واستمر شكيب أرسلان مع رضا في صياغة رؤية مشتركة بين تركيا و الأقاليم العربية . فكلاهما مسلم و كلاهما يكافح ويناضل ضد أطماع فرنسا و بريطانيا آنذاك. 

في سنة 1924 انمحت من مخيلة الرجلين إمكانية تقارب تركي عربي. عندما تم إلغاء منصب الخلافة ، ثم بعد أن ألغيت سنة 1928 المادة التي تنص على أن الإسلام هو دين الجمهورية التركية. و عندما تخلى الأتراك نهائيا عن الأبجدية العربية. واستبدلوها بحروف لاتينية تطبع بها الوثائق الرسمية و الصحف اليومية.

يوجد تقارب كبير بين رضا و شكيب أرسلان، و لكن أرسلان إبتعد و نأى عن الخوض في التشريع والأحكام الاسلامية ،عكس رشيد رضا فنجدهم احيانا يختلفان ولكن رؤيتهم البعيدة تظل متقاربة متماسكة.

الخلافة أو الدولة القومية

في سنة 1922 ، نشر محمد رشيد رضا كتابه الشهير ” الخلافة أو الإمامة العظمى “. و من خلاله هاجم نظرية العلامة ابن خلدون (1332-1406) عن العصبية الطبيعية كأساس للدولة. إذ بين رضا في كتابه أن في  صدر الإسلام انصهرت العصبية و القبلية في بوتقة الدين . 

وفي سنة 1936، نشر أرسلان طبعة جديدة من مقدمة ابن خلدون ، عبر فيها عن إعجابه الشديد بأفكار مؤلفها ، وفي أحد الهوامش من الطبعة الجديدة أيد أرسلان ابن خلدون الذي اعتبر ” الشوكة” علة اعتبار قريش من شروط الخلافة في بداية الاسلام.

في الحقيقة ، وعندما كان محمد  رشيد رضا في النصف الأخير من حياته عضوا هاما في الحركة السلفية الحديثة مهتما بعروبة الإسلام ، كان شكيب أرسلان يفكر أو يسعى إلى ” أسلمة القوميين”. سواء كانوا من الترك أو العرب أو الفرس.

وليست هاتان النظريتان متناقضتين .لأن كلاهما  كان منهمكا بتأطير الهويتين الإسلامية و العربية .و لكن كانت بينهما فجوة صغيرة لم تفسد التقارب الفكري بينهما.

لقد تفرد محمد رشيد رضا بالتوفيق بين الإطارين لأنه – وفقا لما قاله ألبرت حوراني- آمن بإمكانية التوفيق بين الهوية العربية و بين الوحدة الإسلامية الشاملة. و آمن أيضا، بأن إعادة إحياء مجد الإسلام، تكمن في إحياء المجد العربي من جديد.

أما شكيب أرسلان فظل مؤمنا إلى حد بعيد بضرورة الإبقاء على انفصال الإطارين العربي و الإسلامي. و توظيفها على نحو يجعل أحدهما يستفيد من قوة الآخر وهكذا. 

آراء المفكرين العرب حول فكر آرسلان

قيم الباحثون مساعي شكيب أرسلان تقييما متنافرا و شبه متناقض. إذ اعتبر مجيد خدوري، أولوية المطالبة بالوحدة الإسلامية في عمل أرسلان هي أوضح من المناداة بأولوية الوحدة العربية في أعمال محمد رشيد رضا.

 أما ايلي كيدوري،  فإنه يرى بأن أرسلان كان يحاول أن يبرهن أن الإسلام هو بالضرورة إحدى دعائم الهوية العربية.

أما حازم زكي صهر شكيب أرسلان ، فقد كان يعتبر أن أفكار شكيب أرسلان تقع ما بين آراء الأفغاني من جهة، و آراء عبد الرحمن الكواكبي حول النهضة الإسلامية القائمة على العرق العربي.

الأكثر أهمية في فكر أرسلان هو ما يسمى( بالقومية العلمانية)  إذ يقول في هذا الصدد :

بعض الناس يقول : لماذا العودة إلى القرآن الكريم في دعوة المسلمين في تكريس أنفسهم للعلم ، النهضة يجب ألا تكون دينية التوجه ، بل قومية التوجه مثلما كانت الحال في أوروبا.

يستدل أرسلان؛ بأن الغاية يجب أن تكون النهضة ذاتها. بغض النظر عما إذا كانت الأمة تلبس رداء الدين، أو تتوشح بوشاح القومية وربما وفقا لمعادلة التوفيقية هذه، يكون العلم هو الضلع الثالث للمعادلة.

تستلهم قومية شكيب أرسلان العلمانية، الوجه الذي ينأى بالدين عن المظهر العام للحياة الاجتماعية. ويضيف في هذا السياق قائلا:

لكننا نخشى أن يؤدي تخلي النهضة عن تعاليم القرآن الكريم. إلى الإلحاد و الفسق و الشهوانية ، وهي شرور تطغى على المكاسب المنتظرة . لذلك يجب أن يكون الإرشاد الديني جنبا إلى جنب مع التعليم العلماني.

هل يعتقد المثقفون في الشرق بأن النهضة في أوروبا حدثت دون إرشاد ديني ؟

وهل في اليابان حدثت نهضة دون دين ؟ زد على ذلك ، عندما يتحدث الغرب عن نهضتهم القومية ، فإن الأبعد في مقصدهم بالقومية، الأرض و العرق. و إنما الإنتماء الواحد الى فكر واحد وحضارة واحدة. جذورها في اليونان و أغصانها في أوروبا.

الأطر المتعددة لدى شكيب أرسلان  

إن إستخدام شكيب أرسلان للأطر المتعددة ، واحدا بدل الآخر ، في عرضه لتوجهه السياسي و الفكري ، يبدو ظاهرا و جليا حتى ضمن تنظيره للوحدة العربية الشاملة.

على الرغم من إقامته في جنيف بين الحربين الأولى و الثانية. أصدر مع إحسان الجابري دورية ( الأمة العربية) باللغة الفرنسية. و لما كان شكيب أرسلان كاتبا كثير الإنتاج باللغة العربية، فإن أفكاره كانت واسعة الانتشار في العديد من الدوريات و المجلات. لعل أبرزها ” المنار” التي كان يشرف عليها محمد رشيد رضا في القاهرة حتى سنة 1935.

بالإضافة إلى ذلك ، ألف و ترجم عددا كبيرا من الكتب في تاريخ العرب. و في سنة 1924 ذهب ارسلان إلى حد استعمال كلمة ” شعوبية” في رده على بعض المفكرين. مثل طه حسين، وسلامة موسى الذين درجوا على تقزيم دور العرب في الحضارة.

إشتهر شكيب أرسلان أيضا بعلاقاته ببعض المنظمات، التي كانت تنادي بالوحدة العربية .  في البداية كان يدعو إلى قيام ( اتحاد عربي) ثم ( تحالف عربي) و أخيرا إلى ( الدولة العربية).

قد يصعب فهم فكر شكيب أرسلان حول مسألة ( القومية) لكن في المحصلة ، يبقى فكره متناسق وهو في النهاية ملتزم سياسيا حاول دمج النظريات و توفيقها بغية طرد الاستعمار وتحرير الامة .

أما المثقف المغربي الشهير عبد الله كنون ( 1908-1989) فيذكر أنه عندما زار شكيب أرسلان طنجة في عشرينات القرن الماضي ، نصح  قادة الحركة الوطنية المغربية بالتوقف عن معاداتهم الطرق الصوفية بقوله:

“إن هذا غير ، أنتم تركتم العدو و اشتغلتم بعضكم ببعض ، خلق بينكم عداء ، و الطرقيين كلهم ضدكم ، و الاستعمار يحرضهم عليكم ، و الآن عليكم توقفوا نهائيا الحملة على الزوايا و الطرقيين و تهتموا بالعدو الحقيقي”.

التوافق الأيديولوجي لدى شكيب أرسلان 

اتجه فكر أرسلان الرئيسي ، خلال مرحلتي حياته ، حول إنقاذ المسلمين و العرب من الهيمنة الأوروبية . و لئن كانت غايته واضحة المعالم ،  فإنه لم ينتهج استراتيجية متسقة. فقد كان يعتقد أن القومية العربية مناهضة للعقيدة الإسلامية، إذا تعرضت مبادؤها للإمبراطورية العثمانية وجعلتها قابلة للزوال.

من جهة أخرى تصرف شكيب أرسلان بأسلوب يهدف إلى بناء ” توافق أيديولوجي” بين النظريتين . مما كان يعني استنفار الفريقين ، العروبيين و الاسلاميين معا ضد القوى الغربية الغازية .

بمعنى آخر ، بينما اجازت مناصرته للإمبراطورية العثمانية نهجا واحدا للتحرك . فإن معارضته للغرب بعد الحرب الكبرى، منحه القدرة على توظيف طريقين في آن واحد . النهج الشمولي للإسلام و القومية العربية.

على الرغم من كونه شدد على ضرورة التمسك بأهداف الدين و قيمه ، في كتابه ” لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟  ، فإنه بعد ذلك طرح تفسيرا ليس دينيا ولا ثقافيا. فكان تحليله سياسيا وجغرافيا ليس أكثر .  فقد قال :

” إن كان الشرق الأدنى قد تأخر عن الأقصى في درجة الرقي العصري ، فلم يكن ذلك كما يتوهم بعضهم من جمود الأمم الشرقية العربية، و تفوق اليابانيون عليهم في حب العلم و مناشدة وسائل القوة . و إنما كان الموقع الجغرافي للبلاد العربية، قد عرضها لهجوم الأجانب، و غاراتهم المتوالية.

 لما لم يتعرض له اليابانيون، بسبب تقاصي ديارهم وبعد مزارعهم ، حيث خلا لهم الجو، و تمكنوا من أن يتعلموا و يتهذبوا آمنين على حوزتهم. و هذا فرق طالما غفل عنه الناس ولم يتفطنوا لخطورته.

فحملوا بسبب غفلتهم عنه على الشريعة الإسلامية. وجعلوها ظلما و عدوانا هي المسؤولة عن هذا التأخر. و المسؤول  الحقيقي في الواقع ،هو الاعتداء الأجنبي المتواصل، الذي  يتيسر في الشرق الأدنى ما لا يتيسر في الشرق الأقصى. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى