
ترامب يهدد إيران ويتوعد بتصعيد عسكري
صراعٌ يشتعل في أعماق اليمن والبحر الأحمر.. تحليلاتٌ استراتيجية تَكشف خبايا اللعبة الدولية
في محتوى هذا المقال [إظهار]
لا تَخلو الساحة اليمنية من تَطوُّراتٍ تَكسِرُ حِدَّةَ الرواية الرسمية. فَخِلالَ 48 ساعةٍ فقط، شَهِدَت محافظتا الحديدة والجوف غاراتٍ أمريكيةً مُكثَّفةً، وفقًا لوسائل إعلام حوثية، بينما أعلن البنتاغون تدميرَ “بنى تحتية عسكرية حوثية”. لكنَّ المُفارقةَ تكمن في رَدِّ الجماعة: استهدافُ حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” للمرة الثانية، في مُناورةٍ تَستدعي التساؤل عن مدى قُدرات الحوثيين العسكرية الحقيقية، والتي طالما نَفت إيرانُ تورُّطها فيها.
وَفْقًا لِـشون بارنيل، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرّة، والتجارية 145 مرّة منذ بداية 2023. هذه الأرقام ليست مُجرَّد إحصاءات، بل هي شهادةٌ على فشلِ الاستراتيجية الأمريكية في حِماية الممرات البحرية، رَغمَ امتلاكها أقوى جيوش العالم.
إيران.. بين نار التهديدات الأمريكية وجمرة التحدي
في طهران، تَتعالى الأصواتُ كَصَليلِ السيوف. فَقائد الحرس الثوري حسين سلامي يُطلقُ تحذيرًا مُبطَّنًا: “إيران لن تَبدأ الحرب، لكنها ستُدَمِّرُ مَنْ يُهدِّدها”. بينما يَذهب المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي إلى رَبْطِ الأزمة بالصراع الفلسطيني، قائلًا: “دعمُ الشعب اليمني للفلسطينيين حقٌّ لا يُنكره إلا مَنْ أعمى التعصبُ بصيرتَه!”.
هنا، تَبرُزُ إيرانُ كَطرفٍ يَلعبُ على حبالٍ مُتعددة: فمن جهة، تُنكرُ دعمَها العسكري للحوثيين، ومن جهةٍ أُخرى، تُحذِّرُ من عواقبِ الضربات الأمريكية، في مُحاولةٍ لِتحويلِ نفسها إلى “حاميةٍ للقضية الفلسطينية” أمام الرأي العام العربي. لكنَّ السؤال الذي يُطارِدُ المُحلِّلين: هل تَستطيع طهرانُ الحفاظ على هذا التَّوَازُنِ الدقيق، أم أنَّ كِفَّةَ الصراع سَتَميلُ فَجأةً نحو الهاوية؟
لعبة الأمم.. روسيا والصين يُعيدان تشكيل خريطة التحالفات
في زاويةٍ أُخرى مِنْ رقعة الشطرنج الدولية، تَبرُزُ دَورَاتُ روسيا والصين كَلاعِبَيْنِ يَسعيان لِكَسْرِ الاحتكار الأمريكي للصراع. فَفي موسكو، يُطالب وزير الخارجية سيرغي لافروف واشنطنَ بِـ”التخلي عن العنف”، بينما تُعلن الصين عبر متحدثتها ماو نينغ معارضتَها لأيِّ تصعيدٍ في البحر الأحمر.
هذه المواقف ليست بريئةً بالكامل. فروسيا، الحليفُ التقليدي لإيران، تَرى في الأزمة فُرصةً لِتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. أما الصين، التي تَعتمدُ على أمن الممرات البحرية لِإمداداتها النفطية، فَتَخشى انهيارَ الاستقرار في المنطقة. وهكذا، تَتحول الأزمةُ اليمنية إلى ميدانٍ لِصراع القوى العُظمى، حيث تَختلطُ الأوراقُ بِدهاءٍ لا يُدركه إلا مَنْ يَغوصُ في أعماقِ التحليل الجيوسياسي.
الحوثيون.. بين مِطرقة الضربات الأمريكية وسِنْدان القضية الفلسطينية
تَظهَرُ جماعة أنصار الله (الحوثيون) كَطرفٍ يَستفيدُ من فُروقِ التوقيت بين الأجندات الدولية. فَبِذكاءٍ لافت، تَربطُ الجماعةُ بين استئناف هجماتها و”القضية الفلسطينية”، مُعلنةً أنَّ هجماتها على السفن لن تَتوقف إلا برَفع الحصار عن غزة. هذا الخطابُ يَمنحُها غطاءً شعبويًّا في الشارع العربي، ويُحوِّلُها – وِفق رِوايتها – من “مليشيا متمردة” إلى “مُقاومةٍ ضد الاحتلال”.
لكنَّ الواقعَ العسكري يَروي قصةً أُخرى. فَوفقًا لِتسريباتٍ داخلية، فإنَّ الضربات الأمريكية الأخيرة أَضعفت البُنية التحتية العسكرية للحوثيين، رَغمَ ادعاءاتهم بِامتلاك “أدوات ردعٍ غير مُستخدَمة”. فهل ستَنجحُ الجماعةُ في الحفاظ على تَوازُنِ القوة، أم أنَّ الريحَ بدأت تَهُبُّ في اتجاهٍ آخر؟
تداعيات اقتصادية.. البحر الأحمر يَجرُفُ أسواق النفط العالمية
لا يَقتصرُ تأثيرُ التصعيد على الجانب العسكري؛ فَارتفاعُ أسعار النفط العالمية بنسبة 4% خلال أسبوعٍ واحدٍ يُشير إلى هشاشةِ النظام الاقتصادي العالمي. فالبحر الأحمر، الذي يَمرُّ عبره 12% من التجارة العالمية، يَتحولُ إلى شَريانٍ مَقطوعٍ، تُهدِّدُ انسداده أزماتٌ لا تُحمد عقباها.
في هذا الصدد، يَرى الخُبراءُ الاقتصاديون أنَّ استمرارَ الهجمات الحوثية قد يُؤدي إلى نَقصٍ في إمدادات الطاقة، وارتفاعٍ جنونيٍ في الأسعار، ما يُعيدُ إلى الأذهان أزماتِ السبعينيات. وهنا تَبرُزُ مُفارقةٌ لافتة: فَالحربُ في اليمن، التي بدأت كصراعٍ محلي، تَهددُ الآن بِزعزعةِ الاستقرار العالمي.
استراتيجيات القوى العظمى.. مَنْ يَربحُ ومَنْ يَخسر؟
في الخِتام، تَبقى الأسئلةُ الكُبرى معلقةً في فضاءِ التحليل:
- الولايات المتحدة: هل تَنجحُ في استعادةِ “الردع” المفقود، أم أنَّ ضرباتها ستُغذِّي دورةَ العنف؟
- إيران: هل ستَلتزمُ بِسياسةِ “الحدود الحمراء”، أم أنَّ تصريحاتِ قادتها تُخفي استعدادًا لِمواجهةٍ أوسع؟
- روسيا والصين: هل ستَتدخلان بشكلٍ مباشرٍ لِكَسْرِ الهيمنة الأمريكية، أم تَكتفيان بِدورِ المُراقب الحَذِر؟
وَحدَها الأيامُ ستَكشفُ عن إجاباتٍ لهذه الأسئلة. لكنَّ اليقينيَّ الوحيد هو أنَّ البحر الأحمر، بِمَمراتِه المائية وبِصَخبِ صراعاته، سَيَبقى شاهدًا على تحوُّلاتٍ تاريخيةٍ قد تُعيدُ تشكيلَ خريطةِ القوى في القرن الحادي والعشرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#غرفة_الأخبار تُواصلُ رَصْدَ التطورات.. فالتاريخُ يُكتَبُ الآن!