أميركا على صفيح ساخن.. احتجاجات لوس أنجلوس تمتد إلى تكساس

في مشهد يعيد إلى الأذهان فصولًا سابقة من الغليان الشعبي في الولايات المتحدة، تشهد البلاد مجددًا موجة من الاحتجاجات المتصاعدة، بدأت من لوس أنجلوس على الساحل الغربي، وها هي تمتد إلى قلب الجنوب، وتحديدًا إلى تكساس. المشهد العام مقلق، والمزاج الشعبي يتأرجح بين الغضب والتحدي، بينما تسعى السلطات جاهدة لاحتواء أزمة تبدو أكبر من مجرد احتجاجات متفرقة.

شرارة الغضب: لوس أنجلوس في الواجهة

بدأت الاحتجاجات في لوس أنجلوس، المدينة التي لا تنام، لكن التي لا تهدأ أيضًا حين يشعر سكانها بأن الكيل قد طفح. مئات المواطنين خرجوا إلى الشوارع رافعين لافتات، مرددين شعارات تطالب بالعدالة، الشفافية، والإصلاح. لم تكن المظاهرات سلمية في جميع مراحلها، إذ سجلت مواجهات متفرقة مع قوات الشرطة، وتحدثت وسائل الإعلام عن وقوع اعتقالات وإصابات طفيفة في صفوف المحتجين وعناصر الأمن على حد سواء.

ورغم تعدد الأسباب التي دفعت الناس إلى الخروج، إلا أن القاسم المشترك بين معظم المطالب يتمثل في الاعتراض على ما يوصف بتزايد “العنف المؤسسي”، وتراجع الثقة في النظام القضائي، إضافة إلى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي المتفاقم.

التمدد جنوبًا: تكساس تدخل المشهد

ما لبثت أن انتشرت صور المسيرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بدأت عدوى الاحتجاجات تنتقل إلى ولايات أخرى، أبرزها تكساس. في مدن مثل أوستن وهيوستن، خرج المواطنون إلى الشوارع تلبيةً لنداء التضامن، ولكن أيضًا كرد فعل مباشر على مشكلات محلية مشابهة تتعلق بالأمن، العدالة، وظروف المعيشة.

في تكساس، اكتست المسيرات بطابع أكثر حدة. بعض المدن شهدت صدامات محدودة، وفرضت السلطات حظرًا جزئيًا للتجول في بعض الأحياء بعد تصاعد التوتر.

سؤال المرحلة: إلى أين تتجه الأمور؟

اللافت في هذه الاحتجاجات ليس فقط اتساع رقعتها الجغرافية، بل أيضًا تنوع المشاركين فيها. فليست هناك فئة اجتماعية أو عرقية بعينها تقود هذه الموجة، بل يبدو أن هناك شعورًا عامًا بالاستياء من الأوضاع الداخلية، سواء السياسية، الاقتصادية أو الحقوقية.

المراقبون يتساءلون: هل نحن أمام “ربيع أميركي” جديد؟ أم أنها موجة مؤقتة سرعان ما ستخمد كما حدث في مرات سابقة؟ الأكيد أن حالة الغليان الشعبي لا يمكن تجاهلها، وأن المؤسسات الأميركية مطالبة بالاستماع إلى نبض الشارع، لا بمواجهته فقط.

السلطات تحت المجهر.. والخطاب الرسمي في مأزق

حتى الساعة، تحاول الإدارات المحلية والفيدرالية تهدئة الأوضاع من خلال دعوات إلى التهدئة ووعود بالإصلاح، ولكن الشارع لا يبدو مستعدًا للتراجع بسهولة. بعض المسؤولين خرجوا بتصريحات تدعو إلى الحوار، بينما حاول آخرون التقليل من حجم الأزمة، وهو ما أثار سخطًا إضافيًا بين المحتجين الذين يعتبرون تلك التصريحات نوعًا من الإنكار المتعمد للواقع.

الإعلام.. بين تغطية المشهد وتأجيجه

وكالعادة، يلعب الإعلام الأميركي دورًا مزدوجًا؛ فمن جهة يغطي الاحتجاجات بتفاصيل دقيقة، لكنه من جهة أخرى يواجه اتهامات بالمبالغة أو التحيز، سواء لصالح المتظاهرين أو ضدهم، بحسب الجهة الناقدة. في عصر “الخبر الفوري”، تصبح الكلمة سلاحًا، وقد تكون أحيانًا أخطر من الهراوات والغازات المسيلة للدموع.

نظرة إلى الأمام: هل تكتب هذه اللحظة فصلاً جديدًا في تاريخ الاحتجاج الأميركي؟

التاريخ الأميركي حافل بالحركات الاحتجاجية، من الحقوق المدنية إلى “احتلوا وول ستريت” وصولاً إلى “حياة السود مهمة”. ما يحدث اليوم قد لا يكون إلا امتدادًا لذلك الإرث النضالي، لكنه في الوقت نفسه مؤشر على تحول نوعي في المزاج الشعبي، لا سيما في ظل تصاعد الأزمات العالمية، وضغوط الاقتصاد، وتراجع الثقة في المؤسسات.

قد لا تأتي الإجابات من واشنطن هذه المرة، بل من الشوارع التي تضج بالأصوات المطالبة بالتغيير. وفي أميركا التي بُنيت على فكرة الحلم، يبدو أن ذلك الحلم بات مؤجلًا، إن لم نقل مهددًا، ما لم تُتخذ خطوات جادة للإنصات، التصحيح، والمصالحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى