
الأسد الصاعد يُزأر من السماء… والنووي الإيراني في مرمى النيران!
في محتوى هذا المقال
تصاعدت في مساء 13 يونيو 2025 أعمدةُ الدخان فوق مدينة طهران بعد الغارات الإسرائيلية الأولى، مما يشير إلى تصعيد لم يشهد له العالم مثيلاً منذ زمن طويل. وعلى مدى سنوات طويلة كان الصراع بين إيران وإسرائيل يدور في الظل ومن خلال وكلاء ومواجهات غير مباشرة. لكن في 13 يونيو 2025 تحوّلت المواجهة إلى حرب مُباشرة حين شنت إسرائيل ضربة جوية مباغتة على مواقع داخل إيران، وهو ما دفع كلا الطرفين إلى إعلان حالة حرب علنيّة. تُظهر الصورة أعمدة الدخان تتصاعد فوق طهران في أعقاب الغارات الأولى، وهو مشهد نادر يشبه انحسارَ الغطاء عن صراع ظل خفيّ لعقود.
التحليل العسكري – الجانب الإسرائيلي
أعلنت إسرائيل أنها أطلقت حملتها الجوية لخفض “التهديد” الذي تراه في تقدم إيران نحو السلاح النووي. أُطلق على العملية اسم “الأسد الصاعد”، وشملت ضربةً مركزة استهدفت مرافق تخصيب اليورانيوم (في نطنز وأصفهان وغيرها) وعددًا من مواقع البنية التحتية العسكرية والقادة الميدانيين الإيرانيين. شارك في العملية نحو 200 طائرة مقاتلة، واستهدفت حوالي 100 هدف داخل الأراضي الإيرانية، مما يجعل هذه الضربة الأكبر من نوعها على إيران منذ حرب الثمانينات. وفي سياق ذلك، قُتل عدة قادة إيرانيين بارزين (مثل قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس أركان الجيش محمد باقري) وعدد من العلماء النوويين.
وبشكل عام هدفت الضربات الإسرائيلية إلى تعطيل القدرات الإيرانية بسرعة: فقد استهدفت إخماد دفاعات طهران الجوية، وتقويض قدراتها الصاروخية على الردّ، وتعطيل اتصالات القيادة العسكرية. وتعليقًا على هذه الهجمات، وصف مسؤولون إسرائيليون الحملة بأنّها تهدف إلى “تراجع التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل”.
أسلحة إسرائيلية بارزة في هذا الهجوم شملت:
- مقاتلات وصواريخ موجهة: شاركت إسرائيل بقوات جوية حديثة (حوالي 200 مقاتلة، من طرازات متقدمة) أطلقت صواريخ جو–أرض دقيقة وقنابل موجهة لاستهداف المفاعلات النووية والمنشآت العسكرية.
- قنابل اختراق ثقيلة (Bunker-busters): استُخدمت قنابل ضخمة مخصصة لاختراق المنشآت المحصنة تحت الأرض، بما فيها منشآت نطنز حيث تحطمت مبنى تخصيب اليورانيوم.
- طائرات مسيرة هجومية: استخدمت إسرائيل على الأرجح طائرات بدون طيار (درونز) مسلحة لشن هجمات تسلل واستطلاع مبكرة، بالإضافة إلى استهداف المفاعلات بالدقة، وهي تقنية سبق أن برزت في هجماتها على أهداف حساسة.
- الدفاع الجوي المعادي: شملت الحرب مع إسرائيل أيضًا تفعيل نظم الدفاع المضاد للصواريخ (مثل القبة الحديدية Patriot وآرو-2)، اعترضت من خلالها طائراتها الصواريخ الإيرانية المنتشِرة باتكافؤ. دعّم التحالف الأمريكي هذه الجهود بتوفير معلومات وإنذار مبكر عن إطلاق الصواريخ وشحنات اعتراضية إضافية.
التحليل العسكري – الجانب الإيراني
ردَّت إيران فورًا على الهجمات الإسرائيلية بهجوم صاروخي واسع النطاق تحت اسم “الوعد الصادق ٣”، أطلقت خلاله أكثر من 150 صاروخًا باليستيًّا وأكثر من 100 طائرة مسيّرة انتحارية على إسرائيل. استُخدمت صواريخ إيرانية قصيرة ومتوسطة المدى (مثل طرازات “فاتح-110” و“خسف” و“شهاب”) لضرب أهداف إسرائيلية داخل العمق. كما أطلقت أجهزة المراقبة الإيرانية طائرات مسيّرة من طراز “شهيد” العمودية لاستهداف مواقع دفاعية ومدنية.
كانت أهداف الضربة الإيرانية الرئيسية مواقع مدنية وعسكرية في وسط إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب ومدينة ريشون لتسيون. وقُدر أن مستودعات صواريخ الدفاع الجوي الإيراني تمّت مهاجمتها أيضًا في الضربات الإسرائيلية الأولى، ما أدى إلى تدمير بعض رادارات الإنذار المبكر (كما في همدان) وتعطيل مؤقت لشبكة الدفاعات الجويّة الإيرانية.
رغم حجم الهجوم الإيراني، كانت نتائجه على الأرض الإسرائيلية محدودة نسبيًا: فقد أصابت صواريخٌ عدة مبانٍ سكنية ومكاتب في تل أبيب (أسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة نحو 60) وعدداً من المباني في ريشون لتسيون (قتيلان وحوالي 20 جريحًا). وقد تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية في الغالب من إسقاط معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية قبل بلوغ أهدافها. كما لعب الدعم الأمريكي (بأنظمة اعتراضية وأقمار تجسس) دورًا في صد الهجوم. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت ميليشيات حلفاء إيران في اليمن (الحوثيون) صاروخًا باليستيًا تجاه القدس، سقط في الخليل وجرح خمسة فلسطينيين، في مؤشر على اتساع رقعة الصراع إلى جبهة ثالثة على حدود السعودية.
أبرز الأسلحة الإيرانية:
- الصواريخ الباليستية: أكثر من 150 صاروخًا (قصير ومتوسط المدى) منها من نوع “فاتح” و“خسف” و“شهاب”، استخدمت لضرب العمق الإسرائيلي.
- الطائرات المسيّرة المُتفجرة: عشرات مسيرات من طراز “شهيد” التي استُخدمت كمُسيرات انتحارية لضرب أهداف محددة، وتم اعتراض معظمها داخل الأجواء الأردنية والإسرائيلية.
- الدفاعات الجوية الإيرانية: بالرغم من استهدافها، حاولت طهران استخدام منظومات “باك-2” وصواريخ أرض–جو لاعتراض الغارات، لكن تدمير راداراتها عطل هذه المحاولة.
- الدعم الوكالاتي: يُذكر احتمال إطلاق هجمات بالوكالة من لبنان (حزب الله) أو مناطق أخرى، لكن حتى الآن لم يبرز دور مباشر لحزب الله برسم هذا التحليل.
الهدف الاستراتيجي لإسرائيل
تصرّ إسرائيل على أن الهدف الاستراتيجي من هذه الحرب هو الحدّ من إمكانية إيران الحصول على السلاح النووي وحماية وجودها. فإسرائيل تعتبر امتلاك إيران سلاحًا نوويًا تهديدًا وجوديًا لدولتها، وقد صرح قادتها مرارًا بأن بقاء الكيان الإسرائيلي يتعادل مع منع إيران من تجاوز “الخط الأحمر النووي”. وفي كلمته الرسمية، قال نتنياهو إن الضربات جزء من حملة طويلة الأجل لـ”تراجع التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل”. باختصار، تطمح إسرائيل إلى تعطيل البنية النووية الإيرانية بما يؤخر أو يمنع تطوير قنبلة نووية، وفي الوقت نفسه إضعاف شبكات القوة العسكرية الإيرانية (مثل الحرس الثوري ووكلائه الإقليميين) لضمان عدم الردّ بقوة تهدد أمنها.
متى وكيف يمكن أن تنتهي الحرب؟ السيناريوهات المستقبلية
لا توجد معلومات قاطعة في المصادر حول موعد محدد لانتهاء هذه الحرب، لكن المراقبين يشيرون إلى عدة سيناريوهات محتملة. دعت الأمم المتحدة والوسطاء الإقليميون إلى التهدئة وتجنب اتساع الصراع، كما صرّح الرئيس الأمريكي ترامب أن الحروب “يجب أن تنتهي” وهدّد بوقف الدعم إذا استمرت المفاوضات النووية مجمّدة. من أبرز السيناريوهات:
- صفقة نووية مقابل وقف النار: قد تنتهي المواجهة إذا قبلت إيران تجميد برامجها النووية مقابل ضمانات دولية بعدم قصفها مجددًا، وهو السيناريو الذي تسعى إليه واشنطن (إذ ربطت دعم إسرائيل بالمضي قدماً في المفاوضات النووية). ولكن تعليق إيران المفاوضات النووية بعد الهجمات (حسب التقارير) يُضاعف الشكوك بشأن فاعلية هذا الخيار.
- توقف الهجمات نتيجة الإنهاك أو تحقيق الأهداف: قد تتوقف الأعمال القتالية بمرور الأيام إذا ارتأت إسرائيل أنها حققت أهدافها الرئيسية (إعاقة البرنامج النووي الإيراني بكفاية) أو إذا واجهت ضغوطًا دولية شديدة على إنهاء الهجوم. بالمقابل، قد يعود الصراع إلى المواجهات المتقطعة إذا ظلت مصالح كل طرف عالقة دون تسوية، خاصة إذا استشعرا أن استمرار القتال يخدم أهدافهما الاستراتيجية.
- تصعيد إقليمي: ثمة خطر أن يشمل الصراع أطرافًا إضافية في المنطقة؛ إذ حذّرت طهران من استهداف قواعد غربية في حال استمرت الدعم لصالح إسرائيل. وإذا دخل حزب الله أو أطراف حليفة أخرى على الخط، فقد يتوسع الصراع إلى جبهة لبنان–إسرائيل مثلاً، أو تتصاعد هجمات الحوثيين. هذا السيناريو قد يطيل أمد الحرب ويجعل وقف النار أكثر تعقيدًا، خاصة أن الضغوط على الأسعار العالمية للطاقة وضوضاء الأسواق المالية قد تجبر المجتمع الدولي على التحرك لتسوية الأزمة سريعًا.
دور الولايات المتحدة الأميركية
تعاونت الولايات المتحدة مع إسرائيل على أكثر من صعيد. عسكريًا، أرسلت واشنطن سفنًا حربية (منها المدمرتان USS Thomas Hudner ووحدة أخرى) إلى شرق البحر المتوسط ودعمت منظومات اعتراض الصواريخ الإسرائيلية، وذلك لمساعدة تل أبيب في صد القذائف الإيرانية. كما وفّرت أنظمة دفاع جوي متقدمة واستخبارات استخبارية (مثل الأقمار والصواريخ المضادة للصواريخ) للحيلولة دون إصابة مدن إسرائيلية بأضرار كبيرة.
دبلوماسيًا وسياسيًا، أبدى البيت الأبيض تأييده الواضح لإسرائيل؛ فقد أعلن الرئيس ترامب أن على إيران التوصل إلى “اتفاق” نووي جديد سريعًا وإلا ستتعرض لهجمات أكثر ضراوة. وفي الوقت نفسه، حذّرت واشنطن طهران من استهداف مصالحها أو قواتها في المنطقة، ملوحة بخصم عسكري مباشر إذا ما هوجمت منشآتها. كما تبنى المبعوثون الأمريكيون جهودًا للمسار الدبلوماسي، وجرى تنسيق اتصالات مع دول الخليج لاحتواء التصعيد (فمثلاً تدخل رئيس وزراء قطر في الاتصالات لخفض التوتر).
على صعيد الاستخبارات، أكدت الإدارة الأمريكية أنها لم تشارك مباشرة في شن الضربات الإسرائيلية، لكنها على الأرجح تبادلت معلومات مع تل أبيب حول تحركات إيران وتوقيت هجماتها. وبحسب المصادر، كان الأمريكيون على اطلاع مسبق بهجوم إسرائيل الجوّي ولم يعترضوا عليه، مما يشير إلى تعاون استخباراتي بين واشنطن وتل أبيب في هذه المرحلة الحساسة.
المصادر: تقرير مُفصّل لحملات القصف الإسرائيلية والإيرانية، تحليلات عسكرية استراتيجية، وتغطية إعلامية من وسائل عربية ودولية.







