
الحرب الإسرائيلية الإيرانية: الأهداف الخفية بين تغيير النظام والتوسع الإقليمي
في محتوى هذا المقال
في الأيام السبعة الماضية شنّت إسرائيل حملة عسكرية واسعة ضد إيران، تصفها رسمياً بأنها تهدف إلى «القضاء على المشروع النووي الإيراني». ولا تفوّت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تكرار هذا المبرر؛ فقد ذكرت تقارير إسرائيلية أنه لن تنجح تل أبيب في حربها الحالية إلا إذا منعت إيران من امتلاك سلاح نووي. وفي أعقاب الضربات الأولى صرح مسؤول إسرائيلي غير مكشوف عن هويته بأن من شروط أي تسوية مستقبلية أن «تتوقف طهران فورًا عن تخصيب اليورانيوم». وقد استهدفت الغارات الإسرائيلية منشآت ومختبرات تخصيب متقدمة في نطنز وأصفهان وأماكن أخرى، مما أدى وفق وكالات دولية إلى تدمير آلاف أجهزة الطرد المركزي ودعم شبكات الطاقة بالموقع. وبذلك تؤكد المصادر الميدانية أن المشروع النووي الإيراني كان هو هدف الضربات الأوّلي، سعياً لمنع إيران نهائياً من تطوير أسلحة دمار شامل.
الهدف الاستراتيجي الخفي: تغيير النظام في طهران
ورغم هذا الهدف المعلن، يرى محللون بأن تل أبيب تسعى خلف الكواليس إلى إضعاف النظام الإيراني جذرياً. فقد لاحظت التقارير أن رئيس الوزراء نتنياهو تلمّح إلى احتمال «تغيير النظام» في إيران، قائلاً إن قتال آية الله خامنئي قد ينهي الحرب، واصفاً النظام الإيراني بأنه «ضعيف للغاية» وقد يشهد «تغييرات كثيرة» في القريب العاجل. وتؤكد رويترز أن الغارات الإسرائيلية الحالية «تهدف إلى هدم أركان» حكم المرشد خامنئي وترك الحكومة على «شفا الانهيار»، بما يضغط عليه لتقديم تنازلات جوهرية. وفي تحليل صدر عن معهد الشرق الأوسط (MEI) أشار الباحث بول سالم إلى أن الحملة تحوّلت من مجرد وقف النووي إلى حملة أوسع تستهدف تقويض البنية الأمنية والاقتصادية والسياسية للنظام الإيراني بهدف تمهيد تغيير جذري. وتقول المصادر إن القصف الموسّع دخل مرحلة جديدة باستهداف البنى التحتية الإعلامية والأمنية – إذ ضرب سلاح الجو مبنى الإذاعة الرسمية (IRIB) في بث مباشر للحد من قدرة النظام على الدعاية. وكذا أبلغ مسؤولون إسرائيليون أن تل أبيب «لن تكتفي بتدمير البرنامج النووي فحسب، بل ستهاجم بقية أهداف النظام»، وهو ما يترافق مع حديث غربي عن رغبة إسرائيل في «استنزاف» قدرات النظام لتفكيكه سياسياً.
المخطط الإقليمي الأوسع: تطويق المنطقة ورسم “إسرائيل الكبرى”
يمثل الإلغاء النهائي للنفوذ الإيراني في المنطقة أحد أبعاد الاستراتيجية الإسرائيلية الأوسع. من هذا المنطلق، تتركز مطالب تل أبيب – حسب بعض التحليلات – على تقليص دور إيران ومحورها الإقليمي كلياً، بما في ذلك تفكيك ميليشياتها في لبنان والعراق واليمن. ويقول بول سالم إن أي تسوية مفترضة مع إيران ستتضمن «وقف التخصيب الكامل والكلي» وإغلاق جميع البنى التحتية النووية والصاروخية، بالإضافة إلى «تفكيك الشبكات الإقليمية» لحرسها الثوري. ويربط بعض المحللين بين هذا التوجه والأفكار المتداولة حول إقامة امتيازات استراتيجية واسعة لإسرائيل؛ ففي الوقت الذي تؤكّد فيه إسرائيل على سلامة معاهدة أوسلو مع الفلسطينيين ومعاهدة كامب ديفيد مع مصر، يشير البعض إلى أن نصرها على إيران قد يمهّد لإعادة رسم خريطة النفوذ العربي لصالحها، بتوسيع حضورها الاقتصادي-الأمني في دول الخليج والشرق الأوسط. ومع ذلك، تبقى فكرة إقامة “إسرائيل الكبرى” (التي تمتد نفوذها من النيل إلى الفرات) خارج نطاق التصريحات الرسمية، ويُناقَش عنها بشكل غير مباشر في تحليلات استراتيجية حول التطبيع الإقليمي ومواجهة «محور المقاومة».
التحركات الميدانية: التوسع الإسرائيلي في سوريا والعراق
على الأرض، استغلت إسرائيل الفراغ الأمني في سوريا والعراق لتعزيز نفوذها. فقد تقدمت قواتها بعمق داخل الجزء السوري من هضبة الجولان بعد سقوط نظام الأسد، ودشنت هناك قواعد عسكرية جديدة في المنطقة منزوعة السلاح على الحدود. وبحسب التقارير، شنّت إسرائيل مئات الغارات الجوية على أهداف في جنوب ووسط سوريا خلال الأشهر الأخيرة، مركزةً ضرباتها على مطارات ومخازن أسلحة ومواقع دفاع جوي. كما أفاد مسؤول غربي بأن مقاتلات إسرائيلية كانت تعاود التزود بالوقود جواً فوق سوريا، مما منحها حرية “قريبة من الكاملة” لإدامة هجماتها الجوية. وفي العراق، ضربت إسرائيل منشآت لفصائل موالية لإيران داخل البلاد، جزئياً للاستفادة من الإحباط الشعبي وتحقيق توازن جديد. بهذه الطريقة تقوم إسرائيل بتوسيع رقعة العمليات الجوية على جبهات متعددة، وتُحوّل الاضطراب الإقليمي إلى ميزة تؤمّن لها هامش حركة وموطئ قدم أعمق على حدودها.
ما بعد إيران: تحجيم الجيش المصري والأمن الإقليمي
أما الخطوة التالية فترتبط بمصر، القوة العربية الكبرى الأخرى. فرغم الالتزام الرسمي بمعاهدة السلام، يراقب الإسرائيليون عن كثب تحركات الجيش المصري في سيناء. وقد أثارت زيادات القوات المصرية في شبه الجزيرة مخاوف في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأن القاهرة تستعد لسيناريوهات عسكرية، ما دفع باحثي معهد INSS الإسرائيلي إلى الدعوة لتخفيف حدة التصريحات المتبادلة بين البلدين. وفي تقييم غربي، تعتبر القاهرة «لاعباً أساسياً» في مراحل الصراع المقبلة، وهو ما يعني أن إسرائيل ستسعى للحفاظ على تفوقها العسكري النسبي مع مصر. وبعبارة أخرى، فإن أي إظهار لمصر قدرة عسكرية قد تُضخّم دورها الإقليمي، وهو ما لن تسمح به تل أبيب بسهولة. ولذلك يُتوقع أن تتضمن السياسة الإسرائيلية طويلة الأمد ضغطاً على الحفاظ على تفاهمات أمنية مع مصر، مقابل تحجيم قدرات الجيش المصري إلى حد لا يشكل تهديداً لإسرائيل أو لتوازن القوى الإقليمي. (من الجدير بالذكر أن القاهرة باتت في السنوات الأخيرة شريكاً أمنياً للولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة تهديدات مشتركة مثل حركة حماس وتنظيمات سيناء، وهو ما يعقد حسابات أي مواجهات مستقبلية.)
تقدير مستقبل الحرب واحتمالات التصعيد
في الختام، يتفق المحللون على أن الحرب بين إسرائيل وإيران قد تحفر عميقاً في المشهد الإقليمي. ففي دراسة تحليلة حديثة، يرى معهد الشرق الأوسط أن خيارات إيران محدودة: إما استسلام تام وشروط مشددة (تصفها الدراسة بأنها «استسلام لا مشروط»)، أو الالتزام باستراتيجية صمود طويلة الصبر. ويرجح الكاتب أن الانتقال إلى “خيارات انتحارية” – كإطلاق النار على قواعد أمريكية أو إغلاق مضيق هرمز – سيكون قراراً يودي بنظام طهران بسرعة. ولهذا، تشبه السيناريوهات الأكثر ترجيحاً نموذج العراق بعد حرب الخليج الأولى: يبقى النظام قائماً متعباً وعاجزاً عن استعادة هيبته بسرعة، في حين تُمارس القوى الإيرانية الموازية والمسلحون التابعون لها حرباً بالوكالة وإرهاباً مائلاً إلى التخفي. من جهتها، تستعد إسرائيل لمواجهة طويلة الأمد. فقد صرح مسؤولون إسرائيليون أن الحملة ستتوسع لتشمل أهدافاً مدنية واقتصادية إضافية في طهران، وأن الفرصة متاحة لمزيد من الضربات طالما بقيت العوامل الجوية والسياسية مساعدة. ورأى بعض المحللين أن الجهد العسكري الإسرائيلي سيُستكمل بمزيد من الضغط الدبلوماسي الأمريكي على طهران لوقف الحرب والعودة إلى مفاوضات نووية، لكن دون تقديم تنازلات جوهرية قد تعيد إيران إلى حالة نفوذ سابق. وفي جميع الأحوال، تظل النتائج مفتوحة: فإما أن تصرّ إيران على الصمود مقابل تآكل تدريجي لقدراتها، أو أن تختار أحد أشكال التراجع إلى حد قد يمهد لتحولات عميقة في النظام. وفي الحالتين، يتفق أصحاب الرأي على أن هذه الحرب سيكون لها تبعاتها البعيدة على الأمن الإقليمي بأسره، ولن تخفت تداعياتها سريعاً دون تدخل دولي أو تحولات بالمعادلات السياسية القائمة.
المصادر: مقالات وتقارير صادرة عن معهد بيغن-السادات (BESA)، وكالة رويترز، مركز أتلانتيك كاونسل، معهد الشرق الأوسط (MEI)، معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP)، ومصادر مفتوحة لتحليل الاستخبارات (CTP-ISW).







