هجوم إسرائيلي على منشأة نطنز: انفجارات تهز البرنامج النووي الإيراني

ذكرت وكالة رويترز أن سمع دوي انفجارات عنيفة فجر الجمعة قرب منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في وسط إيران، أكبر منشأة تخصيب في البلاد. وقالت شهود عيان لإعلام غربي إن الإنفجارات هزّتها حتى العاصمة طهران. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه شنّ غارات جوية واسعة النطاق استهدفت منشآت نووية وصاروخية إيرانية. وذكر المتحدث العسكري الإسرائيلي أن المفاعل الرئيسي لتخصيب اليورانيوم في نطنز لحق به «أضرار كبيرة» جراء القصف، مشيراً إلى مشاركة نحو 200 طائرة في الضربات واستهداف أكثر من مئة هدف. ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع ما يعرف إعلامياً بـ«المفاوضات النووية» في عُمان، إذ كان من المقرر استئناف جولة جديدة من المحادثات الدولية الأحد المقبل حول البرنامج النووي الإيراني.

خلفية المنشأة النووية المستهدفة

تقع منشأة نطنز على هضبة وسط إيران، وتبعد نحو 220 كلم (135 ميلاً) جنوب شرق طهران. وتعدّ مركز التخصيب الأهم في البرنامج النووي الإيراني. ويُذكر أن جزءاً من المنشأة يقع في باطن جبل لحمايته من أي هجوم جوي محتمل. وقد استهدفت نطنز سابقاً بهجمات إلكترونية وعسكرية: ففي 2010 أصابها فيروس التجسس “ستوكسنت” الذي دمر أجهزة طرد مركزي، وحصلت عمليتان تخريبيتان نسبتا لإسرائيل في السنوات الماضية. وتكرّرت الحوادث مؤخرًا، ففي أبريل 2021 أعلنت طهران عن انفجار وأعطال كهربائية في موقع نطنز، وألقى مسؤولون إيرانيون باللائمة على إسرائيل. وفي يونيو/حزيران 2021 كشفت الحكومة الإيرانية عن هجوم تخريبي محدود تسبب بأضرار طفيفة بسقف أحد المباني النووية، واتّهمت تل أبيب بمحاولة «عرقلة» المحادثات النووية مع الغرب. هذه الخلفية توضّح أهمية المنشأة ودورها الاستراتيجي، وتفسير تخوّف النظام الإيراني من تعرضها للهجوم.

تفاصيل الانفجارات والأسباب المحتملة

شبّت الانفجارات فجراً في موقع نطنز كما أفادت وسائل إعلام إيرانية وشهود محليون. وصرّح الجنرال الإسرائيلي إيفي دفورين أن العملية الجوية جرت «على مراحل وقد تستمر بوقت طويل»، مشيراً إلى أن هجمات مسلحة واسعة النطاق شملت المنشآت النووية ومصانع الصواريخ. ولفت إلى أن الأضرار لحقت بشكل خاص بمفاعل نطنز للتخصيب. وبينما لم تصدر طهران فورياً رواية رسمية محددة عن مصدر الانفجارات، أوردت مصادر غربية أن الجيش الإسرائيلي أعلن مسؤوليته عن الغارات، مبرراً ذلك بـ«معلومات استخباراتية جديدة» تشير إلى أن إيران باتت «تقترب من نقطة اللاعودة» في تطوير سلاح نووي. وفي المقابل نقلت رويترز عن مصدر مطلع على تقديرات الاستخبارات الأمريكية أنه لا يوجد ما يثبت حصول تغيير جوهري في التقييم الاستخباراتي الأمريكي بخصوص الملف النووي الإيراني.

وتعكس هذه التصريحات تفسيرين متناقضين: إسرائيل تربط الهجمات بتصاعد برنامج إيران النووي، بينما تؤكد واشنطن (حليفة إسرائيل) عدم وجود وثائق تشير إلى تجاوز طهران للخطوط الحمراء. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم ترد رسمياً على الاتهامات، فيما أكد البيت الأبيض عدم تورط أميركي في أي ضربة على إيران (وقال مسؤولون إن طهران قادت البلاد إلى ما وصلت إليه بتجاهلها المفاوضات).

ردود الفعل الإيرانية والدولية

ردّ النظام الإيراني بغضب على الهجوم. فقد وصف المرشد الأعلى علي خامنئي الضربات بأنها «جريمة إجرامية مروعة بأيدي يهودية دموية» وأكد أن «ذراع إيران القوي» لن تدع المعتدين يفلتون دون عقاب. وفي كلمة تلفزيونية دعا الرئيس المؤقت مسعود بيزركان (بزيرشكن) الإيرانيين إلى دعم قيادتهم، وحذّر أن الرد القادم «سيقنع إسرائيل بالندم على فعلتها المتهورة». كما أكّد المتحدث باسم الجيش الإيراني أن الضربات وُجهت في وقت «حاسم جداً» أثناء مفاوضات كانت تسعى لإنقاذ الاتفاق النووي.

عالمياً، شاب رد الفعل الدولي خلط بين الإدانات والتحذيرات. فقد نقلت رويترز عن السيناتور الأمريكي ماركو روبيو (كنائب وزير الخارجية) القول إن الولايات المتحدة «لم تشارك بأي شكل في الضربات على إيران» وإن أولوية واشنطن الآن «حماية قواتها». ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التصعيد، معتبراً أن الهجمات «تهدد السلام والأمن في المنطقة» وحذّر من مخاطرة أي ضرب لمفاعل نووي. من جهتها، عبّرت سلطنة عُمان (الوسيط في المفاوضات النووية) عن قلقها الشديد، واعتبرت أن التصعيد يشكل «انتهاكاً صريحاً» لميثاق الأمم المتحدة. وفي حين أبدت بعض الدول الغربية (مثل فرنسا وألمانيا) حرصها على ضبط النفس، شدّدت على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات النووية الإيرانية، مطالبة في الوقت نفسه بتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة.

بدورها، دانت روسيا الهجوم ووصفته بأنه «غير مبرر» وينتهك القانون الدولي، في حين أصدرت الصين بيانات داعية إلى ضبط النفس والتفاوض، مؤكدة معارضة أي انتهاك لسيادة إيران. كما عبّر قادة دول أخرى (مثل تركيا والمملكة العربية السعودية) عن إدانتهم للعملية الإسرائيلية، محذرين من تداعياتها على أمن المنطقة.

تبعات الهجوم على البرنامج النووي والمفاوضات

يأتي الهجوم في مرحلة حساسة من المفاوضات الدولية حول برنامج إيران النووي. فقد كان من المقرر أن تجري الجولة المقبلة من المحادثات في مسقط الأحد، بعد أن أعلن مراقبون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع الأسبوع عن انتهاك إيران لالتزاماتها بالاتفاق النووي لعام 2015 لأول مرة منذ نحو 20 عاماً. وفي هذا السياق، شدّد مسؤولون أمريكيون على أن أي اتفاق جديد مع طهران يتطلب إلغاء تخصيب اليورانيوم الإيراني بالكامل. ويعتقد محللون أن الهجوم الإسرائيلي قد يضعف فرص التوصل إلى حل تفاوضي في المدى القصير، إذ سيعمّق من الهواجس الإيرانية لوقف أنشطتها النووية، بينما يفتقر الجانبان إلى الثقة المتبادلة.

من جهة أخرى، قد يعتبر بعض الخبراء أن الضربة قد تكثف الضغوط على طهران لقبول شروط أكثر صرامة؛ فالولايات المتحدة تلوّح منذ فترة بإعادة فرض أقصى العقوبات وربما خيار عسكري إذا واصلت إيران التخصيب بأعلى درجة من التخصيب (60%). لكن الاعتداء مباشرة على منشآت نووية يقلق المجتمع الدولي من احتمال اشتعال نزاع إقليمي. وقد يؤثر هذا الحادث في ديناميات الحوار (مثلما في الاتصالات الأمريكية الإسرائيلية بشأن التصعيد وأفضليته)، وربما يدفع الأطراف إلى إعادة تقييم مواقفهم في المفاوضات. وتبقى النتيجة معتمدة على رد الفعل الإيراني الوشيك واحتمالات تراجع الطرفين عن الخطوط الحمراء.

هجمات مشابهة في السابق

ليس الهجوم الحالي الأول من نوعه. فقد سبق أن تعرّضت منشآت نووية إيرانية لهجمات وتفجيرات: إذ أفاد تقرير لوكالة الأنباء أسوشيتد برس بأن فيروس ستوكسنت (يعتقد أنها من عمل الولايات المتحدة وإسرائيل) دمّر مئات أجهزة طرد مركزي في نطنز عام 2010. وفي أبريل 2021 تسببت انفجارات أعاقت عمل نطنز، وأعلنت طهران أنها حددت «مطلوباً للخارجية» متهمًا بالتخريب. كما أشارت إيران إلى أن هجوماً تخريبياً في يونيو 2021 ألحق أضراراً طفيفة بسقف مبنى نووي غرب طهران، متهمة إسرائيل بمحاولة إبطال مفعول المفاوضات الدولية. وتكرّرت أيضاً عمليات اغتيالات طالت علماء نوويين إيرانيين، وهو ما أكدت طهران (دون الإشارة رسمياً) أن المخابرات الإسرائيلية أو أجهزة أخرى وراءه. كل ذلك يجعل حادث الجمعة جزءاً من سجل طويل من الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، ويعكس مدى التوتر المحيط بصراع الثقة حول برنامج طهران النووي.

المصادر: تقرير مستند إلى معلومات من رويترز وأسوشيتد برس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى