صور صادمة تُشعل لوس أنجلوس: الجنود الأميركيون يفترشون الأرض… والكرامة تئن

✍️ بقلم: حاتم الكافي
مراسل موقع “نموذج” – لوس أنجلوس
10 يونيو 2025


البداية: صورة تهزّ الضمير الأميركي

في متابعة ميدانية مباشرة للأحداث الجارية لحظة بلحظة، ينقل موقع “نموذج” من قلب مدينة لوس أنجلوس مشاهد صادمة أثارت الرأي العام الأميركي: عشرات من جنود الحرس الوطني الأميركي نائمون على أرضية خرسانية، دون أسرّة أو تجهيزات، داخل مبانٍ فدرالية مؤقتة.

هذه الصور، التي انتشرت بسرعة عبر المنصات الإخبارية والاجتماعية، فجّرت جدلًا واسعًا حول طريقة تعامل الحكومة مع قواتها، وأثارت تساؤلات عميقة حول الأولويات السياسية والإنسانية في واحدة من أغنى دول العالم.


أزمة لوجستية أم فوضى ممنهجة؟

تم نشر أكثر من 2100 جندي من الحرس الوطني في شوارع لوس أنجلوس، في إطار خطة دعم أمني فدرالية. لكن المشهد خلف الكواليس بدا أبعد ما يكون عن التنظيم.
غياب الأسرّة، ندرة الطعام، ومرافق صحية غير صالحة، دفعت وسائل الإعلام المحلية لوصف ما حدث بـ”إهانة لهيبة الجيش ومكانته”.

حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، لم يتأخر في توجيه انتقاداته اللاذعة:

“لقد أُرسل هؤلاء الجنود إلى ولايتنا بلا خطة، وكأنهم أدوات عرض في حملة سياسية. هذا لا يليق لا بهم، ولا بنا.”


خلفيات سياسية محتدمة

الصدام بين الحكومة الفيدرالية والولايات الديمقراطية ليس بجديد، لكن هذه الحادثة وضعت العلاقة على المحك. نيوسوم لم يكتفِ بالتصريحات، بل رفع دعوى قضائية ضد وزارة الدفاع، معتبرًا أن ما جرى يعد تدخلًا غير مبرر في صلاحيات ولايته، وتجاهلًا للحد الأدنى من معايير التنسيق.

المراقبون السياسيون يرون أن واشنطن استخدمت الحرس الوطني كورقة ضغط في مواجهة حكومات الولايات، خاصة في أجواء انتخابية مشحونة. نشر الجنود دون تأمينهم، بدا وكأنه استعراض للقوة أكثر من كونه إجراءً أمنيًا فعليًا.


انتهاك قانوني محتمل

من وجهة نظر قانونية، فإن ما جرى قد يشكّل انتهاكًا للدستور الأميركي الذي ينص على ضرورة التنسيق مع حكام الولايات قبل نشر أي قوات فيدرالية.

الخبراء الدستوريون أشاروا إلى ثلاثة خروقات أساسية:

  • تجاهل سلطات الحاكم المنتخب.
  • الإخلال بمسؤولية الرعاية الصحية واللوجستية للجنود.
  • توظيف الجيش داخليًا دون مبرر أمني كافٍ.

وقد اعتبر البعض أن ما حدث يفتح الباب أمام أزمة دستورية تهدد توازن السلطة بين الحكومة الفيدرالية والولايات.


البعد الإنساني والحقوقي

وراء الجدل السياسي، تقف حقائق إنسانية مؤلمة.
الجنود الذين ظهرت صورهم وهم ينامون على الأرض لا يمثلون فقط آلة عسكرية، بل أفرادًا من أبناء المجتمع، يحملون آمالًا واحتياجات لا تقل عن غيرهم.

منظمات حقوق الإنسان اعتبرت المشهد انتهاكًا صارخًا للمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تجرّم “المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

وأضافت أن من حق الجنود، حتى في حالات الطوارئ، الحصول على مأوى، غذاء، خدمات صحية، وبيئة تحفظ كرامتهم.


شهادة من قلب المعاناة

في شهادة أدلى بها أحد الجنود لمراسل موقع “نموذج”، قال:

“نمت على الأرض، وخوذتي تحت رأسي. زميلي قال: الخوذة لا تخون ظهري. لم نطلب الكثير، فقط أن نُعامل كبشر.”

هذه الكلمات تلخّص الواقع النفسي الذي عاشه الجنود، وتُبرز البُعد الغائب في التقارير الرسمية. ما حدث لم يكن مجرد خلل لوجستي، بل تجربة قاسية هزّت الثقة في المؤسسة التي أرسلتهم.


الخاتمة: من يحرس الحارس؟

إن ما حدث في لوس أنجلوس يتجاوز كونه خطأً إداريًا. إنه مؤشّر عميق على هشاشة العلاقة بين السلطة ومرؤوسيها، بين الدولة ومؤسساتها، بين الشعارات والواقع.

إذا كانت المؤسسة التي ترسل الجنود لا تضمن كرامتهم، فكيف يمكنها ضمان أمن المواطنين؟

الصورة التي انتشرت من داخل مبنى حكومي في كاليفورنيا قد تكون عابرة، لكنها تسكن الذاكرة كعلامة فارقة على خلل يتجاوز الخرسانة… إلى قلب النظام نفسه.


عن موقع “نموذج”

“نموذج” هو منصة إخبارية عربية مستقلة، تتابع الحدث لحظة بلحظة من مواقع صنع القرار ومن قلب الميدان، وتقدّم تغطية صحفية تحليلية وإنسانية تُحاكي العمق وتبتعد عن التهويل.
من لوس أنجلوس إلى بيروت، ومن الرباط إلى باريس، نروي الحقيقة كما هي: بلا مبالغة، بلا تزييف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى