ترمب يُطلق قانون التمرد… لوس أنجلوس على صفيح ساخن

تقرير خاص – مراسل موقع "نموذج" من لوس أنجلوس، كاليفورنيا.

مراسل موقع نموذج – كاليفورنيا

في مشهد بدا وكأنه مقتبس من دراما سياسية متوترة، انقلبت شوارع لوس أنجلوس من ساحات للفن والسينما إلى مسارح صاخبة للتظاهر والاشتباك، عقب إعلان الرئيس دونالد ترمب تفعيل “قانون التمرد”. وبين صدى الأحذية العسكرية وهدير الجماهير الغاضبة، تتأرجح المدينة اليوم بين سؤالين مصيريين: من يملك الشرعية؟ ومن يرسم حدود القوة؟

خلف الكواليس… اشتعال قبل الانفجار

بدأت القصة قبل أيام، عندما نفذت عناصر وكالة الهجرة والجمارك (ICE) مداهمات واسعة في أحياء متعددة من لوس أنجلوس، مستهدفة الآلاف من المهاجرين، في مشهد وصفه نشطاء بـ”حملة تطهير سياسي متنكرة في زي أمني”. وسرعان ما تحولت الاعتراضات الشعبية إلى حراك شامل، انطلق من الأحياء اللاتينية مثل كومبتون وإيست لوس أنجلوس، ثم تمدد إلى مناطق أكثر حيوية كوسط المدينة وهوليوود.

الشوارع امتلأت بالشعارات واللافتات، والصرخات علت في وجه السلطة: “نحن لوس أنجلوس، لسنا ساحة حرب!”، و”الهجرة ليست جريمة”. وفي المقابل، كانت أصوات طائرات المراقبة العسكرية تحوم فوق رؤوسهم، في مشهد يختلط فيه التاريخ بالألم والرهبة.

ترمب… السيف من غمده

في خطاب متلفز ومشحون، ظهر دونالد ترمب من أحد مقار حملته الانتخابية في الجنوب، وبلغة لا تخلو من النَفَس العسكري قال بصرامة: “لن نسمح للفوضى بأن تُخضِع المدن الأمريكية. هذه ليست مظاهرات، بل تمرد منظم”، قبل أن يُعلن رسميًا تفعيل قانون التمرد لعام 1807.

هذا القانون الذي يتيح لرئيس الولايات المتحدة إرسال قوات الجيش النظامي إلى الأراضي الأمريكية لمواجهة ما يُعتبر تمردًا داخليًا، لم يُفعّل بهذه الطريقة منذ أكثر من نصف قرن. وها هو اليوم يُستدعى من رفوف التاريخ ليُلقى بثقله على مدينة تؤمن بحرية التعبير أكثر مما تؤمن بقرع الطبول.

لوس أنجلوس تحت الحصار

فور تفعيل القانون، نزلت إلى الميدان وحدات عسكرية من مشاة البحرية، تلاها نشر 4,000 عنصر من الحرس الوطني، ثم دمج أكثر من 2,000 عنصر إضافي من قوات الأمن الفيدرالية في ولاية كانت دوماً تفخر بخصوصيتها واستقلالها عن قرارات المركز.

لكن هل هذا الانتشار العسكري أعاد الأمن؟ أم فجّر برميل البارود؟

في الحقيقة، ما جرى هو أن التوتر بلغ ذروته. احتجاجات جديدة اندلعت في مناطق لم تشهد تحركات من قبل، مثل سانتا مونيكا ووست وود. شبان بعيون متقدة، ونساء يهتفن ضد عسكرة المدينة، ومسنّون يخرجون من منازلهم لأول مرة منذ سنوات رافعين لافتات: “هذه مدينتنا، لا ثكنة عسكرية”.

نيوسوم يرد… لا للوصاية الفيدرالية

في موقف نادر من نوعه، وقف حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، أمام الصحافة ليصف ما يحدث بأنه “انتهاك سافر لروح الدستور الأمريكي”. وأعلن رفع دعوى قضائية ضد إدارة ترمب، مؤكدًا أن تفعيل قانون التمرد دون تنسيق مع سلطات الولاية يمثل “تجاوزًا غير مقبول للسلطة”.

أما عمدة لوس أنجلوس، كارين باس، فذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن القوات الفيدرالية تشكّل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي في المدينة. وأعلنت فرض حظر تجول ليلي من الساعة العاشرة مساءً وحتى السادسة صباحًا، لحماية السكان من التصعيد المحتمل، سواء من المتظاهرين أو من القوات القادمة من خارج الولاية.

حوار الطبول أم صدى الشعب؟

ما بين الضغوط الفيدرالية والمقاومة المدنية، يعيش سكان لوس أنجلوس لحظات نادرة في تاريخ المدينة. البعض يرى أن الحسم الأمني ضروري، والبعض الآخر يراه مقدمة لنهاية الديمقراطية المحلية كما نعرفها.

ويُطرح هنا السؤال الكبير: هل نحن أمام “تمرد”، أم أمام انتفاضة شعبية شرعية؟ وهل يملك أي رئيس الحق في عسكرة شوارع مدنية بحجة “إعادة النظام”؟ وما الفرق بين النظام القائم على الأمن، والنظام الذي يُبنى على المشاركة والعدالة؟

في قلب اللهب… المدينة تتكلم

في زقاق خلفي من داونتاون، وقف رجل مسن من أصل مكسيكي، مرتديًا قبعة ريفية وممسكًا بيد حفيده. قال لمراسل “نموذج”:
“لقد جئت إلى هذه المدينة منذ أربعين سنة، هربًا من قمع العسكر. لم أكن أتصور أن أراهم هنا… بهذا الشكل.”

كأن التاريخ قرر أن يعيد نفسه، ولكن هذه المرة في بلدٍ لطالما صدّر خطاب الحرية للعالم. الآن، يبدو أن الدروس تُكتب في الشارع، لا في البرلمان، وأن لوس أنجلوس تكتب فصلها الخاص من الصراع الأمريكي الأبدي: من يحكم، ولماذا؟

الختام… والمستقبل ينتظر

ما تعيشه لوس أنجلوس اليوم ليس مجرد اضطراب أمني، بل اختبار أخلاقي وسياسي عميق لهوية الدولة الفيدرالية. فإذا انتصرت إرادة الشعب في الشارع، فستكون هذه اللحظة نقطة تحول. وإذا انتصرت فوهة البندقية، فقد تُفتح أبواب على عصر جديد – ليس بالضرورة أكثر أمنًا.

الأسئلة ما زالت تتطاير في سماء كاليفورنيا… والإجابات؟ ستكتبها الأيام القادمة، وربما… الشهداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى