الضربات الأمريكية على منشآت إيران النووية تُدخل الحرب مرحلة جديدة خطيرة

نفذت الولايات المتحدة صباح اليوم ضربات جوية استهدفت ثلاثة مواقع رئيسية في البرنامج النووي الإيراني، ما أدى إلى خسائر فادحة في منظومة تفتيت اليورانيوم تحت الأرض. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الضربات «أبادت» المنشآت النووية الرئيسية لإيران باستخدام قنابل ثقيلة موجهة. فقد قضت القوات الأمريكية على المواقع النووية في نطنز وأصفهان وفوردو، حيث كانت مجمعات تخصيب اليورانيوم المهمة مشغّلةً للاستخدامات المدنية والعسكرية. وشمل القصف أيضاً مبانٍ بحثية وتحويلية مرتبطة بالمشروع النووي الذي يمتد لأكثر من ثلاثين عاماً. ويأتي هذا التصعيد إثر عشرة أيام من الصراع بين إيران وإسرائيل، حيث شنت تل أبيب هجمات جوية واسعة على مواقع إيرانية نووية (فشل فوردو في الصمود تحت الأرض)، فانضمت واشنطن اليوم إلى العمليات العسكرية بدخول غير مسبوق.

عرض الوقائع العسكرية

أعلنت مصادر رسمية أمريكية أن ثلاثة مواقع نووية إيرانية تعرضت للقصف الليلة الماضية، بينها منشأة فوردو الغارقة تحت الجبال جنوب قم، ومنشأتان في محافظة أصفهان (منطقة تحويل اليورانيوم ومجمع “فيبوشهر” البحثي)، إلى جانب مفاعل نطنز للتخصيب. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز أمسية الأمس خبراً عن استعداد الولايات المتحدة لتنفيذ الضربة باستخدام القنابل النفاذة الضخمة، في حال لم تقضِ عليها الضربات الإسرائيلية السابقة. وبالفعل أُطلق صواريخ كروز وقنابل MOP (قنابل «متغلغلة عظيمة الحجم» بقوة 30 ألف رطل) من قاذفات بعيدة المدى (بما في ذلك قاذفات من طراز B-2 المتطورة) لاستهداف مقرات الأنفاق والتحصينات تحت الأرض. وتقول التقديرات الأولية إن هجوم اليوم أوقع خسائر جسيمة بالبنية التحتية النووية الإيرانية، بما في ذلك تدمير هياكل فوقية وتشويش أنظمة الطاقة، إلى جانب خسائر بشرية محتملة بين العاملين.

كما أشارت صور الأقمار الصناعية الصادرة بعد الضربات إلى أضرار سطحية في مواقع مداخل المصانع تحت الأرض. وصرح الرئيس ترامب عقب العملية بأن القوات الأمريكية «أنجزت بنجاح كامل» ضربات قوات الطيران ضد أهداف في إيران، محذراً طهران من «مزيد من الهجمات المدمرة» إذا لم تستجب لمطالب السلام. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية صوب إسرائيل فجر اليوم، أصابت أجزاء من تل أبيب وأسفرت عن إصابة العشرات، في دلالة واضحة على مسار التصعيد السريع.

تفاصيل الضربة وأسلحتها

نفذت الضربات الجوية بطائرات مقاتلة وقاذفات استراتيجية متطورة. استخدمت القوات الأمريكية طائرات B-2 الشبح التي تتمتع بقدرة على حمل حمولة ضخمة من الذخائر الموجهة، بينها صواريخ كروز من طراز توماهوك وقنابل نفاذة ثقيلة (مثل GBU-57/MOP). وكشف تقرير لـرويترز أن طائرة B-2 تستطيع حمل قنبلتين من طراز MOP (وزن الواحدة 30 طناً) لتنفيذ ضربات دقيقة ضد الأهداف المحصنة. وأفادت التقارير بأن ست قنابل نفاذة أطلقت على موقع فوردو النووي، ما يشير إلى استخدام مزيج من هذه القنابل وصواريخ توماهوك. وتُستخدم قنبلة MOP خصيصاً لاختراق المنشآت تحت الأرض الأكثر تحصيناً، بقدرة اختراق تزيد على 60 متراً من الخرسانة المسلحة.

وقد برَّرت القيادة الأمريكية الخيار العسكري بالقول إن مواقع التخصيب الإيرانية تحت الأرض تتطلب مثل هذه القنابل الموجهة الفائقة القوة، وأنها الأداة الوحيدة المتوفرة لتحقيق التدمير المطلوب على عُمق هذه المنشآت. وعزز هذا الموقف مبدأ «ضرب الأهداف قبل فوات الأوان» بعدما كشفت وكالات الاستخبارات الغربية زيادة نشاط التخصيب الإيراني تحت الأرض في الأشهر الأخيرة. وبدورها نشرت وسائل إعلام أمريكية رسمية صوراً ومشاهد من غرف عمليات بنتاجون تؤكد نجاح العملية وصفوها بـ«الانهيار الشامل لقدرات إيران النووية».

ردود الأفعال الإيرانية المحتملة

أعلن القادة الإيرانيون فور انتهاء الضربات استعدادهم للدفاع بكل الوسائل. وحذرت طهران من أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» وأن كل الخيارات مفتوحة للرد. وتتمثل السيناريوهات المحتمَلة في التالي:

  • إغلاق مضيق هرمز: عبرت طهران في الماضي عن قدرتها على إغلاق مضيق هرمز الحيوي في حال تعرضت لضغوط عسكرية غربية. ويعبر المضيق نحو 20% من النفط العالمي يومياً، وهدد نواب إيرانيون سابقاً بتنفيذه مرة أخرى في مواجهة الغزو.
  • استهداف قواعد أمريكية: أكد وزير الدفاع الإيراني أن «جميع قواعد الأمريكيين في المنطقة داخل مدى صواريخنا وسنستهدفها بجرأة إذا فرضت علينا حرباً». وقد أبرز هذا التهديد إمكان إطلاق صواريخ باليستية (أرض-أرض) أو صواريخ كروز نحو قواعد أميركية في الخليج والعراق.
  • تكثيف الهجمات على إسرائيل: بالتزامن مع تهديد طهران، استمرت عملية إطلاق الصواريخ الإيرانية نحو الأراضي الإسرائيلية؛ فقد أطلق الحرس الثوري نحو 40 صاروخاً باليستياً فجر اليوم على المدن الإسرائيلية، وهو مؤشر على أن إيران تواصل الضغط العسكري بالتنسيق مع حلفائها (كتائب حزب الله في لبنان وجماعات باليستوية).

تحدث مسؤولون إيرانيون عن عدم تنفيذ الهجمات الأميركية تهديداتهم بشكل فوري بأن «العملية لم تشمل بعد تهديداتها الرئيسية»، وأنها ما زالت تحاصر الخيارات الأخرى، من أبرزها قاعدة «أينكه» في الإمارات وقواعد أمريكية في الخليج. ويترقب المراقبون احتمال تصعيد إيراني إضافي إذا وُصف الهجوم بأنه عدوان مباشر، إذ فقدت إيران الثقة بتقديم تنازلات نووية أو سياسية في ضوء التطورات.

التحليل الاستخباراتي

تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن طهران أعدّت دفاعات محدودة في مواقعها الأساسية؛ ففي موقع فوردو النووي مثلاً أفادت مصادر بأن إيران نقلت معظم اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع آمنة أخرى قبل الهجوم. كما خفضت عدد العاملين إلى الحد الأدنى الآمن، وفق تصريحات برلمانية إيرانية محلية. وتدل صور الأقمار الصناعية على أضرار سطحية في أنفاق فوردو (مخرجاتها الطبوغرافية)، لكن تقييم الضرر الدقيق في الداخل بقي صعب التحديد. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لم تُرصد أي زيادة في مستويات الإشعاع الخارجية بعد الضربة، ما يشير إلى أن القصف لم ينتج تسرّب نووي فوري أو حادثة إشعاعية (على الأقل حتى اللحظة الراهنة).

من زاوية الاستخبارات، قد تتوجه واشنطن إلى مراقبة تحركات فرق إيرانية لنقل المواد وإصلاح المنشآت، والبحث عن مواقع نووية جديدة محتملة. كما ستتابع واشنطن ما إذا كان النظام الإيراني يسرّع اختباراته الصاروخية أو يعزز قواعد ميليشياته في الخارج. في المقابل، قد يسعى الحرس الثوري لتضخيم نتائج الهجوم داخلياً، فالتقارير الرسمية الإيرانية ركزت على وصف العملية بأنها «انتهاك صارخ للقوانين الدولية» و«ندم دائم للعالم المتحضر».

التداعيات الإقليمية والدولية

لقد رُفعت المخاوف الإقليمية مباشرةً بعد الضربة. فقد أكدت دول الخليج العربية، التي تحاول الحفاظ على توازن في علاقاتها مع إيران والغرب، على ضرورة احتواء التصعيد ووقف إطلاق النار. وتجمّد عدد من شركات الطيران الرحلات التجارية عبر الأجواء الإيرانية وخليجية في الأيام الأخيرة خوفاً من تحولات عسكرية. كما لوّحت أسعار النفط بالارتفاع وسط تهديدات بإغلاق مضيق هرمز؛ فالعالم يرصد كيف ستؤثر صراعات الخليج الجديدة على أسواق الطاقة العالمية.

دولياً، حاول قادة بارزون نزع فتيل الأزمة؛ فقد دعت دول الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ضبط النفس والعودة إلى طاولة المفاوضات النووية. وفي الأمم المتحدة استدعى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية اجتماعاً طارئاً لمجلس محافظي الوكالة لوضع تقييم فني للحالة. وستكون واشنطن وستوكهولم بين المواقف الدولية الراغبة في وقف القتال، فيما قد يستدعي الأمر جهوداً دبلوماسية واسعة لاحتواء الحرب قبل أن تمتد إلى مواجهة أوسع تشمل سوريا أو أجزاء من العراق.

الخلاصة والتوقعات

تؤشر الضربات الأمريكية الأخيرة إلى دخول الحرب بين إيران والولايات المتحدة مرحلة بالغة الخطورة، فكرسي القرار في واشنطن اعتبر أن تصعيداً محدوداً (بتدمير المنشآت النووية) أفضل من مواجهة مفتوحة لا يمكن السيطرة عليها. وقد صرح الرئيس ترامب بأن إسرائيل والولايات المتحدة «دمّرتا بشكل كامل» المنشآت النووية الرئيسية لإيران، محمّلاً طهران مسؤولية أي تصعيد إضافي. ويؤكد سيناريو «المرحلة الثانية» في خطاباته أن البيت الأبيض يضع خياراً ثنائياً: السلام السريع مقابل تجنب الكارثة، أو متابعة الضربات على أهداف جديدة إذا لم تُحَقَّق مطالب التهدئة.

وفي الاتجاه المقابل، فإن إيران ستوازن بين الرغبة في الرد بقوة (لـ«استعادة الهيبة» والتأثير على شعبها) والخشية من مواجهة ذات أبعاد كارثية. وتبقى خيارات طهران مفتوحة، وقد تعتمد للمرحلة المقبلة مزيجاً من المراوغة السياسية والمزيد من الضربات الصاروخية المحدودة وردود الفعل الرمزية (كما قالت، إغلاق المضيق أو ضرب قواعد أمريكية). وعلى الصعيد الدولي، سيعتمد المسار القادم على قدرة الوسطاء (روسيا والصين والأوروبيين) على إعادة الحوار النووي والحد من مخاطر المواجهة الشاملة.

في المحصلة، دخل الصراع الإيراني-الأمريكي والإسرائيلي مرحلة خطيرة حاسمة، وستكون الأيام المقبلة حاسمة في اختبار مدى قدرة العالم على منع زحف هذا الصدام إلى حرب إقليمية مفتوحة. إذا استمرت الولايات المتحدة بإعلان الأهداف القادمة وتهديدات «مرحلة ثانية»، فقد تختار إيران ردوداً تكتيكية محدودة للحفاظ على ماء الوجه، أو تستهدف اختراق خطوط إمدادات النفط للتأثير على الاقتصاد العالمي. في أي حال، ستكون الساحة الدولية على أهبة الاستعداد لمتابعة الموقف، فخيار الحرب الشاملة يبدو أقرب من أي وقت مضى إن لم تتوصل الأطراف إلى حل تفاوضي سريع.

المصادر: تقارير موثقة من رويترز ونيويورك تايمز، ونقل مباشر عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى