الموقف العربي من النزاع الإسرائيلي الإيراني: تهديد مزدوج للوجود العربي

يعيش العالم في حالة تصعيد حاد بين إسرائيل وإيران، بعد شن إسرائيل ضربات جوية على أهداف في إيران. هذه الاعتداءات أُدينت على نطاق واسع من قبل كثيرين في المنطقة والدولية، باعتبارها «انتهاكًا صارخًا» لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة. في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل التحذيرات بشأن المدى الحقيقي للبرنامج النووي الإيراني، فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران أخفت أنشطة نووية واستخدمت مواد غير معلن عنها في مواقع متعددة، وأن موقفها الراهن وحجبها للتدقيق يثير المخاوف من خروقات اتفاقيات عدم الانتشار. لذا من الضروري إدانة الاعتداء الإسرائيلي كخرق للقانون الدولي، وفي الوقت نفسه إدانة تعنت النظام الإيراني وعداوته في ملفه النووي. كما يثير الاستغراب تهاون الإدارة الأمريكية في دفع الملف النووي الإيراني نحو تسوية حاسمة عبر المفاوضات وخلق شروط أمنية إقليمية متوازنة، رغم المخاطر الواضحة على الدول العربية.

تطوّر النزاع الإيراني–الإسرائيلي–الأميركي

يعود جذور التوتر إلى ثورة 1979 في إيران التي قلبت المعادلة السياسية، إذ قطعت العلاقة بين إيران والغرب واختلفت إيران عن حلفائها السابقين. خلال ثمانينيات القرن الماضي، خاضت إيران حربًا مدمرة مع العراق (1980–1988) بدعم غربي كبير للعراق، مما أعاد تأجيج الحقد الإقليمي على المصالح العربية. بعد انتهاء الحرب، صرّح قادة إيران بتوسيع دور إيران في المنطقة بما يسمّى «الهلال الشيعي»، وبدأت دعوات إيران لإبعاد النفوذ الأمريكي والإسرائيلي، ودعم الحركات الإسلامية الشيعية في البلدان العربية. في هذه الأثناء برز الخلاف على البرنامج النووي، فقد تخلت إيران عن بعض نشاطات بحثية بعد الثورة ثم استأنفتها بسرية تدريجية في تسعينيات القرن الماضي.

على مدى سنوات، تدهورت العلاقة بين طهران والولايات المتحدة بسبب اتهامات أميركية وغربية بأن إيران تسعى إلى تطوير سلاح نووي سري، بينما كان النظام الإيراني يؤكد سلمية برنامجه. تزامن ذلك مع حزم من العقوبات الدولية ضد إيران بدءًا من قرار مجلس الأمن 1696 عام 2006 الذي أوجب تعليق التخصيب، وعقوبات أمريكية وأوروبية مشددة. وفي عام 2015 توصّل المجتمع الدولي (خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وإيران) إلى الاتفاق النووي (JCPOA) الذي قيّد تخصيب إيران لأغراض سلمية وكفّل مراقبة دولية. لكن انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق في مايو 2018 دون بديل تفاوضي أدى إلى انهيار المفاوضات لاحقًا وزيادة تصعيد إيران في التخصيب والتهديد بإعادة بناء قدرات نووية.

خلال هذه السنوات أيضًا، توسّعت إيران إقليمياً بدعمها أذرعًا مسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. وفي المقابل تواصل إسرائيل سياساتها الاستيطانية في الضفة المحتلة وغزة، كما نفذت ضربات محدودة ضد إيران في سوريا ومواقع الحرس الثوري. على هذا الأساس تراكمت أزمات متعاقبة ودخلت المنطقة في حالة أزمات مستمرة: من دعم إيران لمليشيات إقليمية إلى هجمات متبادلة عبر المنظمات المسلحة، وصولاً إلى التصعيد الحالي.

الملف النووي الإيراني: مراحل وأزمات

أظهر التاريخ أن إيران دشنت برنامجًا نوويًا مدنيًا منذ عهد الشاه، ثم تعطل جزئيًا بعد الثورة 1979، قبل أن تستأنف طهران الأنشطة التخصيبية ببطء في التسعينيات. ومع بداية الألفية الثانية، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالشكوك تجاه الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج، واتخذ مجلس الأمن سلسلة قرارات تطالب طهران بتعليق التخصيب والسماح بتفتيشات موسّعة. وفي أعقاب ذلك وافقت إيران مؤقتًا على بعض الشروط ثم تراجعت، مما أثار سلسلة من العقوبات الدولية.

في 2015 تم توقيع الاتفاق النووي (JCPOA) بين إيران والمجموعة الدولية (P5+1)، ووفّرت إيران بعض الضمانات (تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي، تصدير مخزون اليورانيوم المخصّب إلى درجة منخفضة، وغيرها) مقابل رفع العقوبات النفطية والمالية. لكن الحكومة الإيرانية الجديدة وتغيير الموقف في واشنطن قاد إلى تخلي الإدارة الأمريكية عن الاتفاق عام 2018. ثم عادت إيران تدريجيًا لزيادة التخصيب وتطوير أجهزة طرد مركزي متطورة، حتى أصبحت قدرات تخصيبها «قريبة من الصفر» من حيث الزمن اللازم لصنع قنبلة نووية، وهو وضع قال عنه مدير الوكالة غروسي إنه يثير «قلقًا كبيرًا».

وفي 9 يونيو 2025 أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن طهران لم تشرح satisfactorily تجارب نووية سابقة وأوقفت تنفيذ إجراءات ضرورية للتحقق. فقد وجدت الوكالة «جزيئات يورانيوم» في مواقع سريّة (لويسان-شيان وقسم آخر قرب طهران) ولم تحصل على إجابات مقنعة من إيران. وأورد تقريرها أن هذه المواقع كانت ضمن «برنامج نووي ممنهج غير معلن» وأن إيران «لم تكشف عن مواد نووية وأنشطة متعلقة بها» في تلك المواقع. كما شدد غروسي على أن قرار إيران بوقف إجراء مفتاحي للتحقّق قلّص من قدرة الوكالة على التأكد من طابع البرنامج السلمي. ولم يُخف تكديس إيران أكثر من 400 كغم من اليورانيوم المخصّب إلى مستوى عالٍ عن مخاوف الوكالة، معتبراً أن هذه الزيادة لها تبعات انتشارية خطيرة.

في الخلاصة، تقف الأدلة الفنية والرسمية على أن مواقف إيران في ملفها النووي كانت متعسّرة وغير شفافة. فقد حذرت الوكالة أكثر من مرة من التوسّع المتسارع للمخزون النووي الإيراني، ودعت إيران للتعاون الكامل وإعادة المفاوضات. ومع ذلك ترد إيران بالانكفاء أو التصعيد، مما دفع دولاً كثيرة إلى الخشية من أن برنامجها بات غير سلمي وأن الهدف منه قد يكون استراتيجيًا وطائفيًا للهيمنة في المنطقة.

التوسع الإيراني والتهديدات الإقليمية

إلى جانب الملف النووي، لا يمكن فصل الخطر الإيراني عن سياساتها الإقليمية العدائية وتحديها للمصالح العربية. فقد احتلت إيران منذ 1971 ثلاثة جزر إماراتية (أبو موسى وطنب الكبير وطنب الصغير)، وتصرّ على بقائها رغم اعتراض الإمارات والمجتمع الدولي. ترفض طهران المفاوضات على هذه المسألة، مستعرضةً وجودها العسكري هناك. هذا الاجتياح لأراضي خليجية عربيّة يعد انتهاكًا للسيادة وأبدت الدول العربية تنديدًا مستمرًا به.

بالإضافة إلى ذلك، تبني إيران ما يعرف بـ«محور المقاومة»، أي شبكة من الميليشيات والوكلاء المسلحين العاملين خارج أراضيها لتحقيق نفوذها. فمن جهة تدعم إيران «حزب الله» في لبنان، وهو منظمة عسكرية (ذات أذرع سياسية واجتماعية) شاركت في مواجهات مع إسرائيل وتتحكم فعليًا في السياسة اللبنانية. ومن جهة ثانية، تمدّ حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بكل ما تحتاجانه من صواريخ وتدريب، لا سيما خلال الحروب الأخيرة على غزة. وفي اليمن أوصلت إيران الحوثيين (تنظيم زيدية شبيه بالحرس الثوري) إلى قوة عسكرية مؤثرة، كما أظهرتها تقارير الأمم المتحدة؛ فقد أكد مراقبون تابعون لمجلس الأمن أن الحوثيين تحوّلوا «من مجموعة محلية محدودة القدرات إلى منظمة عسكرية قوية» بفضل دعم الحرس الثوري والميليشيات العراقية و«حزب الله».

صورة لاحتفالية مسلحة نظمها الحوثيون في اليمن، الذين أصبحوا خلال سنوات قوة عسكرية نوعية بدعم إيراني مباشر. يتضمّن «محور المقاومة» الإيراني أيضًا ميليشيات في العراق وسوريا تدعم نظام الأسد، إضافة إلى مجموعات موالية لطهران في دول أخرى. كل ذلك يزيد من خطر التمدد الطائفي والعسكري الإيراني في قلب المنطقة العربية. وقد نصح خبراء دوليون بأن هذه الشبكة «المدعومة من طهران» (بما فيها حماس وحزب الله والحوثيون وغيرها) أصبحت ذات قدرات متقدمة بفضل التدريبات والإمدادات الإيرانية.

يمكن تلخيص بعض مظاهر التهديد الإيراني ببيان بسيط:

  • احتلال الجزر الثلاث: جار عربي يفقد أملاً سريعًا في استعادة سيادته على أراضيه، بينما تتهرب إيران من أي حل توافقي.
  • دعم الوكلاء العسكريين: من حزب الله (لبنان) مروراً بحماس والجهاد في فلسطين، ووصولاً إلى الحوثيين في اليمن ودعم النظام السوري (حيث جلبت آلاف المقاتلين الأجانب ليستعيد الأسد السلطة). هذه الارتباطات تكثف نفوذ إيران التوسعي وتهدد استقرار العرب الداخلي.
  • الهجمات المنسوبة لإيران: شملت خروقات متكررة للمياه الجوية والخطوط البحرية (ضرب السفن في بحر العرب والبحر الأحمر)، وإرسال صواريخ إلى إسرائيل عبر وسطاء.

هذه الأنشطة الإقليمية عززت هيمنة إيران في المنطقة، وجعلت دول الخليج وجامعة الدول العربية تحذر باستمرار من نوايا طهران التوسعية، ومن خطورة امتلاكها سلاحاً نووياً كــ«درع استراتيجي» يمكن أن ترتهن به علاقاتها وتوسعاتها. في المقابل، تستند السلطات العربية إلى رؤية تحذر من تهديد وجودي إيراني يطال الأمن القومي العربي أكثر من الأمن الإسرائيلي المباشر.

الخطر الإسرائيلي على العرب

وليس الخطر على العرب مقصوراً على إيران وحدها؛ فإسرائيل، رغم أنها حليف غربي، تمارس عدوانًا مباشرًا ومنهجياً ضد الفلسطينيين وتحتل أراضيهم منذ عقود. فقد أدانت مصادر دولية عديدة سياسة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية المُحتلة، التي «تنقل أجزاءً من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي». وحثت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إسرائيل على «وقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورًا وإخلاء المستوطنين، ووقف النقل القسري للفلسطينيين، ومعاقبة اعتداءات قواتها وجماعات المستوطنين». وتقر أغلب الدول والمنظمات الدولية بأن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية، وأن البناء الاستيطاني يضيق على حياة الفلسطينيين ويعيق قيام دولة فلسطينية مستقلة، في حين تصعّد الاعتداءات الأمنية الإسرائيلية ضد السكان المدنيين.

كما نفذ الجيش الإسرائيلي عدة غارات في الأعوام الأخيرة داخل الأراضي السورية ضد مواقع مرتبطة بإيران أو حزب الله، بذريعة منع التسلح بالأسلحة الدقيقة. ويعد تدمير المنشآت والبنى التحتية هدفاً مستمرّاً في الاعتداءات المتبادلة. إلى جانب ذلك، تشن إسرائيل عمليات عسكرية متكررة في قطاع غزة، وهو ما أسفر عن آلاف الضحايا الفلسطينيين، وتهجير وأزمات إنسانية – وإن بدت هذه القضايا خارج إطار هجومها على إيران الحالي إلا أنها تؤشر إلى منطق القوة الإسرائيلية وسياساتها القمعية.

على مستوى آخر، تبنت إسرائيل تشريعات وسياسات تزيد من ضيق الخناق على الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة. فالمستوى السكاني للمستوطنات بات يقارب ربع سكان الضفة، والقوانين الإسرائيلية تفضّل المستوطنات وتضع قيوداً على البناء الفلسطيني. كذلك قيدت حركتهم عبر الحواجز وجدار الفصل، ومنعت كثيراً من الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم أو العمل. هذه السياسات تُعتبر «تمييزاً ممنهجاً» وتهديداً لحقوق العرب في فلسطين. علاوة على ذلك، فإن تكرار الهجمات العسكرية المباشرة – سواء على غزة أو على مواقع حزب الله في لبنان أو سوريا – يعكس الاستخدام المفرط للقوة الإسرائيلية في المنطقة.

ككل هذه الاعتداءات الأثرية وغيرها، ينظر إليها العرب كجزء من مشروع أوسع لتهجير الفلسطينيين واستحواذ إسرائيل على مزيد من الأراضي. وأجمع خبراء حقوقيون على أن نهج الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي يُعد خرقًا للقانون الدولي، وقد عبّر العديد من قادة الرأي الدوليين عن اعتقادهم بأن هذا السلوك يشكل خطرًا استراتيجيًا على أمن المنطقة بأسرها. ففي مارس 2025 قال مفوّض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن نقل إسرائيل «أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها» يُعد جريمة حرب، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ «إجراءات حاسمة» لمنع استمرار هذا الانتهاك. مثل هذه التصريحات الدولية تدعم وجهة نظر عربية ترى أن سياسات الاستيطان والإقصاء تعرّض الوجود العربي (الفلسطيني تحديدًا) للخطر.

أداء الإدارة الأمريكية وتقييم التأخر

لقد لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في هذا الصراع المعقد: فهي حليفة إسرائيل التقليدية، وبالمقابل باتت طرفًا في معادلات الملف النووي الإيراني. من المفارقات أن واشنطن ليست بعيدة عمّا يجري؛ فقد دعمت عدة إدارات اتّفاقات سلام ونظم عقوبات ضد إيران، لكنها في الوقت نفسه تحمّلت انتقادات عربية وغربية لتقاعسها عن فرض تسوية نهائية تمنع التهديدين. مثلاً، بعد ضربات إسرائيل على إيران شنّت دول عربية والدول الخليجية هجوماً على خامة تأخر واشنطن في دعم العودة إلى المفاوضات النووية أو بحث «منطقة خالية من السلاح النووي» في الشرق الأوسط، وهو أمرٍ دعته إليه عدة قرارات دولية.

على سبيل المثال، أكد بيان مشترك لوزراء خارجية عدة دول عربية وإسلامية (بقيادة قطر) ضرورة «وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية ضد إيران» والعودة سريعًا إلى مسار المفاوضات حول البرنامج النووي. كما دعت الجزائر والإمارات ومصر والعراق ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى تسوية تفاوضية شاملة وشددوا على أن الحل الوحيد يكمن في الاتفاقات الدبلوماسية . هذه الضغوط العربية تعكس حالة استغراب من إدارة ترامب (التي كانت في السلطة حينها) لعدم انتهازها فرصة تحقيق إنهاء نهائي للتوتر النووي، أو حتى فرض سقف زمني للمفاوضات، خصوصاً أن إيران ردت بتصعيد جزئي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

في هذا السياق أيضاً، واجهت إدارة بايدن صعوبات في إعادة بناء الثقة؛ إذ لم تنجح مفاوضات متقطعة لإحياء الاتفاق النووي بسبب بقاء خلافات كبيرة على الشروط النهائية. لقد وجّه مبعوثون غربيون انتقادات لإدارة واشنطن بتقصيرها في تنسيق المواقف مع الحلفاء الأوروبيين والإقليميين، والتركيز فقط على الضغط على إيران بالحصار والعقوبات دون وضع خطة دبلوماسية واضحة. ويشير بعض المحلّلين إلى أن التناقضات السياسية في الولايات المتحدة (خلاف بين البيت الأبيض والكونغرس، وصعود التيار المتشدد) أعاقت التوصل إلى تسوية. بعبارة أخرى، رأت أطراف عربية أن الأداء الأمريكي كان «هشًّا» وغير حاسم؛ فهي تحمّلت مسؤولية أمن المنطقة الكبرى ولكنها لم تُحسن تنسيق حلول عملية تضمن منع حصول إيران على السلاح النووي وفي الوقت نفسه التهدئة مع إسرائيل.

إن الاستغراب العربي يتركز على الملاحظات التالية: لماذا لم تستثمر واشنطن كامل ثقلها السياسي لدفع إيران للعودة سريعاً إلى الحوار النووي (دون العودة إلى المواجهة العسكرية)؟ ولماذا سمحت بسقوط المبادرات الدبلوماسية (حتى قبل الضربة الإسرائيلية الأخيرة)؟ في تقدير كثيرين، كان بإمكان أمريكا الضغط على إيران بالآلية الدبلوماسية نفسها التي أُقيمت بها الاتفاق النووي 2015، وربما مع إجراءات عقابية محدودة، عوض الانسحاب الأحادي دون بديل. كما تتساءل العواصم الخليجية كيف أن إدارة مهمةً عنيدت إيران في المفاوضات (وطالبتها بالصفر النووي) لكنها لم تكن جادة في تقديم حزمة أمان عربية أو دولية تُشعر النظام الإيراني بأن إيقاف مشروعه النووي والتوسع بالأسلحة والميليشيات هو خيار مربح مقارنة بالتصعيد.

هذا الموقف من واشنطن ألهب نقاشًا في العواصم العربية حول الحاجة إلى البدائل. فقد أعاد البعض التذكير بدعوة السعودية وروسيا عام 2022 إلى «منطقة خالية من السلاح النووي» كشرط لضمان سلام دولي، إضافةً إلى إلحاح لجنة متخصصة في مجلس الأمن بأن يلتزم جميع شركاء الاتفاق النووي (بما فيهم أمريكا) بآلية نافذة للامتثال تمنع الغش الإيراني. بعبارة أخرى، يرى العرب أن إدارة الولايات المتحدة أدارت الأزمة بشكل منفصل عن المخاوف العربية، ولم تعمل على إيجاد تسوية إقليمية متوازنة، الأمر الذي ساهم في ترسيخ فجوة المصداقية على الأرض.

استنتاج وموقف استراتيجي

من المؤكد أن الطرفَين الإسرائيلي والإيراني يضران بالأمن العربي، وإن بدرجات مختلفة. فإيران، بما تطرحه من مشروع توسّعٍ طائفي ودعم لوكلاء غير عرب في قلب العالم العربي، تُشكّل تحدياً مباشراً. ولو واصل النظام نفسه النشاط العسكري والنووي غير الشفاف، فقد يُعزّز «هلالًا شيعيًا» يمتد من طهران حتى لبنان واليمن، مع إمكان امتلاك سلاح نووي. أما إسرائيل، فتعتبر الغالبية العظمى من العرب تهديدها الخطير في الاستيطان واجتياح الأراضي الفلسطينية وانتهاك الحقوق. فقد بدا واضحًا للقادة العرب أن سياسات الاستيطان والاعتداءات المتكررة (داخل الأراضي الفلسطينية أو الجارة لبنان) ترمي إلى تغيير المعادلة على الأرض على حساب الوجود العربي والفلسطيني. ومهما اختلفت الدوافع بين الطرفين (إسرائيل تقول أنها مسألة دفاعية، وإيران تبرر بـ«الردع»)، فإن العرب يرون كليهما كيانين مسلحين يفوقان حجم دول عربية عديدة في القوة والتأثير، وليس هناك من يضمن أنهما يستخدمان قوتهما بما يخدم العرب.

لهذا، يخلص كثيرون في العالم العربي إلى أن كلا من إيران وإسرائيل يُشكّلان تهديدًا استراتيجيًا لوجود العرب، من خلال برامجهما التوسعية وسلوكيهما العسكري. فالنتيجة المُثلى يجب أن تكون مزيدًا من التعاون العربي والدولي لوقف هذا التصعيد المزدوج. ويطالب الفكر العربي الرسمي بضرورة التمسك بالمبادرات السياسية (مثل المبادرة العربية للسلام 2002، التي دعت لتسوية شاملة مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة) مع دعم دبلوماسي ومشاريع جادة لمنع انتشار السلاح النووي (من خلال دعوات ملحّة لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي).

في الختام، يتعيّن على العالم العربي أن يعزز وحدته السياسية والعسكرية لمواجهة هذين الخطرين. إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران اليوم يجب أن تقترن بنداء لإجبار إسرائيل على الكفّ عن سياسة العدوان والحصار ضد الفلسطينيين، كما يجب أن تقف مع مطالب المجتمع الدولي بإيقاف التوسّع الاستيطاني. بالمقابل، إدانة التعنت الإيراني النووي لا يمكن أن تعني غضّ النظر عن واجبات المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة، بل مطلب بتحرك دولي قوي يضمن التزام إيران بالمعايير الدولية أو عزلها دبلوماسياً واقتصادياً إذا لزم الأمر.

القرار الحاسم يكمن في الضغط المتزامن باتجاهين: فرض حلّ سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية (كشرط للسلام والاستقرار العربي)، ووقف أي برنامج تسليحي أو نووي يشكّل تهديدًا للأمن العربي (عليه أن يكون داخل إطار رقابة دولية مشدّدة بما يحول دون التحوّل إلى سلاح). على ضوء ما سبق، يمكن القول إن أمن العرب لن يكون مضمونًا إلا إذا تم وضع حدّ للتعدّي الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، وللتوسع الإيراني في كل من الداخل والخارج. أي تجاهل لهذا التهديدين سيعني الاستمرار في دائرة العنف وعدم الاستقرار التي تهدّد وجود المنطقة برمتها.

المصادر: صادرة عن جهات دولية ورسمية ومنظمات معترف بها، وترصد المواقف الصريحة (بيانات وزارية ومؤسساتية) حول هذا الموضوع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى