إيران على مفترق خطير: بين تصاعد التهديدات الإسرائيلية وهشاشة الداخل

تشهد إيران في الآونة الأخيرة تحوّلات ميدانية وأمنية متسارعة، في ظلّ تصاعد التهديدات الخارجية وخاصة الإسرائيلية، وتزايد المؤشرات على توتر داخلي متفاقم. فإغلاق البازار وعدد من المؤسسات الحيوية، وتزايد التحركات السكانية نحو مناطق يُعتقد أنها “آمنة”، كلها مشاهد تعكس قلقًا عميقًا يسود الشارع الإيراني، سواء من ردود الفعل الأمنية الداخلية أو من التهديدات القادمة من الخارج.

البازار الإيراني: نبض السياسة والتاريخ

لم يكن إغلاق البازار الإيراني مجرد قرار إداري عابر، بل خطوة ذات دلالات رمزية وسياسية عميقة. فمنذ الثورة الدستورية عام 1909، مرورا بحراك مصدق في خمسينيات القرن الماضي، ظل البازار لاعبًا محوريًا في معادلات القوة والتغيير داخل إيران. واليوم، يعود هذا الفضاء التجاري التقليدي إلى واجهة الأحداث، كرمز لهشاشة الوضع الداخلي وتحوّل الشارع إلى بؤرة توتر يصعب التنبؤ بتداعياته.

وبحسب المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، الأستاذ مسعود الفاك، فإنّ إغلاق البازار والبورصة في يوم واحد لا يمكن تفسيره فقط على أنه تدبير احترازي، بل يتعدى ذلك إلى كونه استباقًا لاحتمالات تصعيد شعبي واسع أو حتى استهداف خارجي. هذا التفسير يجد صداه في سياق التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بقصف أهداف مدنية داخل إيران ردًا على استهداف المدنيين في إسرائيل.

نزوح داخلي في اتجاه الشمال

ومع تزايد القلق الشعبي، برزت ظاهرة النزوح الداخلي من طهران إلى المناطق الشمالية، وتحديدًا إلى محافظتي “جيلان” و”مازندران”، الواقعتين على ضفاف بحر قزوين. هذه المناطق تعتبر، إلى حد الآن، ملاذًا آمنا نسبيًا نظرًا لقربها الجغرافي من العاصمة، وطبيعتها الجبلية والغابية، إضافة إلى احتضانها لمئات الآلاف من الشاليهات والمساكن الصيفية الخاصة بالمواطنين الإيرانيين القادرين ماليًا على الانتقال.

ترقّب لتحول استراتيجي في المواجهة

تصريحات صادرة عن قيادات في الحرس الثوري الإيراني تؤكد أن إيران لم تستخدم بعد قدراتها الصاروخية “استعمالًا استراتيجيًا”. هذا التلميح يعكس احتمالًا بوجود مرحلة جديدة من التصعيد قد تكون أكثر دموية واتساعًا. فبينما اقتصرت الردود الإيرانية حتى الآن على عمليات صاروخية محدودة، يبرز احتمال استخدام “أسلحة ذات طابع استراتيجي”، وهو تعبير يفتح باب التأويلات على مصراعيه، خصوصًا في ظل قدرات إيران النووية غير المعلنة رسميًا.

لكن الخبير مسعود الفاك يستبعد امتلاك طهران لأسلحة تفوق في تأثيرها الصواريخ الباليستية، مشيرًا إلى أن سلاح الجو الإيراني محدود القدرات ويعود في مجمله إلى الجيل الثالث، مع بعض النماذج من الجيل الرابع، وهو ما لا يؤهله لخوض مواجهات جوية متطورة ضد إسرائيل.

الخيارات الإيرانية: عندما تُغلق السماء تُفتح مخازن الصواريخ

العقوبات الأميركية المفروضة منذ عقود على طهران، وخاصة تلك التي منعت تطوير سلاحها الجوي، دفعتها للاعتماد المكثف على تطوير برنامجها الصاروخي. فقد بدأت إيران بتجميع وتحديث ترسانتها الصاروخية منذ أواخر الثمانينيات، مستفيدة من خبرات كوريا الشمالية، وبعض الدعم السوري والليبي. واليوم، أصبحت هذه الترسانة إحدى أدوات الردع الرئيسية، وربما الوحيدة، بيد النظام الإيراني.

لكن، يبقى التساؤل مطروحًا: إلى أي مدى يمكن أن تُحدث هذه الصواريخ فارقًا في أي مواجهة مقبلة؟ خصوصًا إذا ما قورنت بتطورات الترسانة الإسرائيلية، التي تشمل أنظمة اعتراض متقدمة مثل القبة الحديدية و”حيتس” (Arrow)، إضافة إلى طيران حربي من الجيل الخامس.

الثغرة الأمنية: اغتيالات العلماء والقادة

من جهة أخرى، تبرز مسألة الاغتيالات المتكررة لعلماء الذرة والقادة العسكريين الإيرانيين كأحد أبرز مظاهر الفشل الأمني الداخلي. ففي بلد يُدير 16 جهازًا استخباراتيًا وأمنيًا، يعتبر اغتيال شخصيات بمكانة فخري زاده – أحد أهم العقول النووية – مؤشرًا على هشاشة بنيوية، تستوجب مراجعة عميقة في سياسات الحماية والاستخبارات.

هذا القصور لم يمر دون انتقادات داخلية، حتى من قبل وزراء استخبارات سابقين مثل علي يونسي، الذي تحدث علنًا عن الاختراقات التي تعرضت لها مؤسسات الدولة، ما يزيد من الشكوك بشأن قدرة النظام على تأمين رموزه في ظلّ تصعيد محتمل.


خاتمة: المشهد الإيراني… مفتوح على كل الاحتمالات

إيران تقف اليوم أمام منعطف حاسم، داخليًا وخارجيًا. فالضغوط الاقتصادية، والمخاوف الأمنية، والاحتقان الشعبي، تقابلها تهديدات خارجية لا تُبقي للنظام الإيراني خيارًا سوى التصعيد أو التراجع. وفي الحالتين، سيكون الثمن باهظًا، وقد تدفعه في المقام الأول الشعوب، وليس الحكومات.

الأنظار تتجه إلى ما ستسفر عنه الساعات والأيام القادمة، في صراع لم تعد فيه الجغرافيا أو التحالفات وحدها تحدد النتيجة، بل مدى نجاعة القرار السياسي في مواجهة انهيار محتمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى