
هل تعلم؟ القطط غزت العالم من تونس وليس من مصر!
تونس مهد القطط الأليفة: اكتشاف علمي يغيّر التاريخ!
في محتوى هذا المقال
تشير الدراسات الحديثة إلى أن القطط المنزلية لم تنتشر في أوروبا ومعظم العالم إلا في عصور متأخرة نسبيًا، وأن أصولها الوراثية تعود إلى شمال إفريقيا وخاصة تونس. لم يسجل حتى الآن موقع أثري في تونس يثبت بشكل قاطع استئناس القطط هناك في العصور القديمة، لكن الدراسات الجينية الأثرية لعبت دورًا حاسمًا في هذا الصدد. ففي أحدث بحثين منشورين عام 2025، حلّل فريقان بحثيان بقيادة جامعتَي «تور فيرغاتا» (روما) و«إكسيتر» بيانات جينية وآثارية واسعة النطاق. خلصت هاتان الدراستان إلى أن القطط الأليفة ظهرت في أوروبا بعد آلاف السنين من بدء الزراعة، وأنها لم تأتِ من الشرق الأوسط كما كان يُظن سابقًا، بل من تونس في شمال إفريقيا.
الأدلة الأثرية والجينية في تونس وشمال إفريقيا
على الرغم من ندرة الاكتشافات الأثرية المباشرة للقطط في تونس القديمة، فقد أعطت التحاليل الحديثة دلائل غير مباشرة. فالقطط البرية (الفصيلة Felis lybica lybica) تعيش طبيعيًا في شمال إفريقيا بما فيها تونس، واستُخدمت عيناتٍ حفْرية منها في بحوث وراثية. أفادت دراستان عام 2025 بأن بيانات جينية مُستخلصة من بقايا قطط عمرية ومقارنة تسلسل حامضها النووي أظهرت أصولًا شمال إفريقية للقطط المستأنسة. وفي دراسة جامعة تور فيرغاتا (بالتعاون مع 42 مؤسسة بحثية)، حلَّل الباحثون 70 جينومًا قديمًا و17 حديثًا من قطط، بالإضافة إلى عظام مؤرخة بالكربون من 97 موقعًا في أوروبا وشمال الأناضول. أظهرت النتائج وجود موجتين رئيسيتين من توسع القطط الأليفة نحو أوروبا: الأولى في القرن الثاني قبل الميلاد، نقلت خلالها قططًا برية من شمال غرب إفريقيا (من ضمنها تونس) إلى جزيرة سردينيا؛ والثانية في العصر الروماني الإمبراطوري (القرن الأول الميلادي حتى الخامس)، جُلبت فيها قطط ذات مكوّنات وراثية مشابهة للقطط المنزلية الحديثة إلى أنحاء مختلفة من أوروبا، وعاد أصل هذه القطط إلى تونس. وقد أكد فريق جامعة إكسيتر نتائج مشابهة عبر فحص أكثر من 2400 عظمة قطط أثرية من 206 موقع مختلف، إذ وجدوا وجود القطط الأليفة في أوروبا منذ بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد (أي قبل النفوذ الروماني)، مع اكتشاف هابلوغروبات مميزة في بريطانيا تعود للعصر الحديدي، مما يدعم نموذج وصول القطط في موجات متفرقة عبر الزمن. وتشير هذه الدراسات إلى أن تونس كانت مركزًا محوريًا في نشأة وتفريع السلالات المنزلية، إذ أكدت أن جميع القطط الأليفة التي انتشرت لاحقًا في أوروبا تعود في النهاية إلى شجرة وراثية شمال إفريقية.
نقل القطط عبر البحر المتوسط: الفينيقيون والرومان والعرب
تدعم هذه النتائج الحديثة المعلومات التاريخية حول التجارة البحرية في البحر المتوسط. فبحسب بيانات أثرية، رافق التجار الفينيقيون القطط الأليفة أولًا إلى أوروبا، حيث وصلت إلى اليونان وروما خلال الألفية الثانية قبل الميلاد – أي قبل حوالي 3400-2500 سنة. وبعد ذلك، ساهم توسع الإمبراطورية الرومانية في نشر القطط أوسع، خاصة منذ نحو 2000 سنة قبل الميلاد. ويؤكد تحليل جيني حديث أن القطط المصرية المستأنسة التي حظيت بمكانة كبيرة في الحضارة الفرعونية سافرت عبر طرق التجارة القديمة، فقد «نُقِل نسْل هذه القطط المصرية عبر التجارة البحرية بواسطة التجار الفينيقيين، والقراصنة القرطاجيين، والإغريق، والرومان». أما في العصور الإسلامية اللاحقة، فقد وُثِّقت مكانة خاصة للقطط في الثقافة العربية والإسلامية (كالدعاء بالبركة وحماية المخطوطات من الفئران)، ورغم عدم وجود دراسات أثرية مباشرة حول دور العرب في نقل القطط عبر المتوسط، إلا أن الاتصال التجاري الحضاري بينهم وبين شمال إفريقيا والأندلس كان يُسهِم بطبيعة الحال في استمرار انتشار القطط ومعرفتهم في مجتمعات واسعة.
مقارنة فرضية تونس بفرضيات مصر والمشرق
قبل هذه الاكتشافات الحديثة، كانت الفرضية السائدة هي أن القطط استؤنسَت أصلاً في الهلال الخصيب (الشرق الأدنى) ثم ازدهرت في مصر الفرعونية. فقد أظهرت الأدلة الأثرية السابقة أن استئناس القطط بدأ مع بدايات الزراعة في الهلال الخصيب، وانتشر إلى مصر حيث وجدت بقايا قطط مدفونة مع الإنسان منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد، وذُكرت آلاف القطط ضمن المومياوات القرابين المصرية. كما بيّنت الدراسات القديمة أن النقل الأولي للقطط الأليفة نحو أوروبا والعالم كان عبر التجار الفينيقيين والقراصنة اليونانيين والرومان انطلاقًا من مصر وشواطئ الشام. فعلى سبيل المثال، خلص بحث وراثي إلى أن أصل القطط الأليفة يتركز في حوض شرق البحر المتوسط، عبر ساحل الشام ووادي النيل. غير أن الفرضية التونسية الحديثة تتحدى هذه النظرة: فبحسب البيانات الجينية الجديدة، كانت تونس هي المقر الفعلي الرئيسي الذي انحدرت منه السلالات الأليفة التي غزت أوروبا لاحقًا.
الاستنتاج
تجمع الدراسات الجينية والأثرية الحديثة على أن القطط المنزلية انتشرت في أوروبا والعالم متأخرةً نسبيًا وفي موجات متعددة بدأت من شمال إفريقيا، وتحديدًا تونس. هذا يستند إلى تحليل واسع للحامض النووي القديم لقطط من مواقع أثرية عديدة، إلى جانب الفهم التاريخي لدور التجارة المتوسطية. بالمقابل، تبقى الفرضيات التقليدية حول منشأ القطط في مصر أو المشرق بحاجة إلى إعادة تقييم، في ضوء هذه المعطيات التي تجعل تونس محورًا رئيسًا في نشأة وتنقل السلالات الأليفة. ويجدر التأكيد على أن هذه النتائج مبنية على دراسات حديثة (2025) تعتمد بشكل أساسي على نماذج وراثية وظيفية، ولذلك يظل إجراء تنقيبات أثرية مباشرة إضافية في شمال إفريقيا مستقبلاً خطوة مهمة لتقديم دليل ميداني داعم لهذه الاستنتاجات.
المصادر: دراسات جينية وأثرية حديثة، بالإضافة إلى أبحاث سابقة عن استئناس القطط.







