
هل تغير أمريكا بوصلتها السياسية في الشرق الأوسط؟
في محتوى هذا المقال
لم يكن من السهل يومًا أن يلوّح رئيس أمريكي، ولو تلميحًا، بإمكانية التخلي عن إسرائيل. لذا، عندما تداولت وسائل الإعلام تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغت تل أبيب بأنها قد تفقد دعم واشنطن إن لم توقف الحرب في غزة، اهتز المشهد السياسي. ورغم نفي البيت الأبيض لاحقًا لهذه الأنباء، فإن مجرد طرحها في هذا التوقيت يكشف عن تحولات عميقة تجري في كواليس السياسة الدولية.
فما الذي تغيّر؟ ولماذا باتت إسرائيل تواجه لغة مختلفة؟
قوة المال: الخليج يعيد تشكيل النفوذ
الجواب يبدأ من الخليج. فالسعودية، الإمارات، وقطر لم تعد مجرد دول نفطية تسعى لتحسين صورتها. هذه الدول باتت اليوم قوى مالية ضخمة، تستثمر تريليونات الدولارات في الولايات المتحدة، ما يمنحها قدرة حقيقية على التأثير في قرارات كبرى داخل واشنطن.
- الإمارات أعلنت عن خطة استثمارية في أمريكا بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى 10 سنوات، تتركز في التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعي
(Reuters، مارس 2025). - قطر وقّعت اتفاقيات استثمارية تتجاوز 1.2 تريليون دولار، شملت صفقات ضخمة مع شركة “بوينغ” الأمريكية وغيرها من الشركات الحيوية
(Al Arabiya، مايو 2025). - السعودية أعلنت عن تعهدات باستثمارات قيمتها 600 مليار دولار، خاصة في قطاعات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة
(Bloomberg، مايو 2025).
هذه الاستثمارات لم تعد فقط شراكات اقتصادية، بل ورقة ضغط استراتيجية تجعل من المال أداة لتصحيح البوصلة السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
القوة الناعمة + القوة الصلبة = معادلة جديدة
إلى جانب القوة الاقتصادية، تتمتع دول الخليج أيضًا بنفوذ دبلوماسي وثقافي متزايد، يندرج تحت ما يُعرف بـ “القوة الناعمة”. فبفضل الإعلام، والتعليم، والدبلوماسية الناعمة، أصبحت هذه الدول جزءًا من مراكز التأثير في الرأي العام العالمي.
أما مصر، فهي تمثل ضلعًا آخر في هذه المعادلة. فهي تمتلك جيشًا مصنفًا ضمن أقوى 20 جيشًا في العالم، ويُعد الأقوى عربيًا وأفريقيًا، حسب مؤشر Global Firepower لعام 2025
(Global Firepower).
وبذلك، يجتمع المال والنفوذ الناعم والخشونة العسكرية في تكتل عربي أصبح من الصعب تجاهله، حتى في دوائر القرار الأمريكي.
القضية الفلسطينية: من الهامش إلى الواجهة
في ظل هذه التحولات، يبدو أن إعادة طرح القضية الفلسطينية لم تعد مطلبًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة سياسية واقتصادية. إذ لم تعد واشنطن قادرة على الانحياز الأعمى لإسرائيل دون أن تخسر مصالحها مع دول الخليج أو تُعرّض استثماراتها واستقرارها السياسي للخطر.
إن دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، لم يعد شعارًا يرفعه العرب فقط، بل أصبح خيارًا منطقيًا لمن يسعى إلى تحقيق استقرار إقليمي حقيقي يُراعي التوازن والمصالح المتبادلة.
إسرائيل: من “الحليف المطلق” إلى “الملف المربك”
لقد بدأت الدوائر السياسية في أمريكا وأوروبا تدرك أن إسرائيل، بسياساتها المتطرفة أحيانًا، أصبحت تمثل عبئًا على مصالحهم في المنطقة. ومع تعقّد الصراعات، خصوصًا في غزة، تزايدت الأصوات التي تدعو إلى “ترويض” السياسة الإسرائيلية لا الانحياز لها بشكل أعمى.
الدرس بات واضحًا: العالم العربي تغيّر، وميزان القوى تغيّر. ولم تعد إسرائيل الحليف الذي لا يُمسّ، بل أصبحت طرفًا يجب “احتواؤه” لا دعمه بلا شروط.
خاتمة
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تغير في الخطاب السياسي، بل تحول استراتيجي في موازين القوى. فدول الخليج، مدعومة بمصر، باتت تملك مفاتيح حقيقية في تحديد شكل المستقبل السياسي للمنطقة. وفي هذا السياق، يبدو أن واشنطن مدفوعة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في أولوياتها.
لقد تغيرت قواعد اللعبة، وبات على الجميع – بمن فيهم إسرائيل – أن يتأقلم مع واقع جديد قوامه المال، والنفوذ، والتوازن.







