
الناتو على وشك الانهيار!
في محتوى هذا المقال
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، يقف العالم على أعتاب مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، ويبدو أن الاجتماع المرتقب في الرياض بتاريخ 19 فبراير 2025 قد يكون الشرارة التي تُحدث تحولات جذرية في معادلة القوة العالمية. يجمع هذا اللقاء دبلوماسيين من الولايات المتحدة وروسيا، في وقت يشهد فيه حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحديات لم يسبق لها مثيل.
تحول استراتيجي في السياسة الأمريكية
تشير البيانات إلى أن الولايات المتحدة، التي تُعتبر الدعامة الأساسية للناتو منذ تأسيسه في 4 أبريل 1949، قد بدأت تُعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية. ففي الفترة الأخيرة، ووفقًا لتقارير عدة منها تقرير صادر عن SIPRI عام 2023، بلغ الإنفاق العسكري العالمي حوالي 2 تريليون دولار مع زيادة سنوية تقارب 3.5%. ومن جهة الولايات المتحدة وحدها، تجاوزت ميزانية الدفاع في العام 2022 حاجز الـ 800 مليار دولار.
يشير المحلل الأمريكي السابق، مايكل مالوف، إلى أن النهج الذي اعتمدته أوروبا والأوكرانيون لم يثمر عن النتائج المرجوة، مما دفع واشنطن إلى إعادة النظر في التزاماتها العسكرية التقليدية. خلال فترة رئاسة دونالد ترامب (من يناير 2017 حتى يناير 2021) لوحظ تغيير واضح في السياسة الخارجية، حيث أعلن ترامب في مقابلة مع قناة CNN بتاريخ 15 أكتوبر 2019 عن رغبته في تقليص التورط العسكري في أوروبا والتركيز على مناطق استراتيجية مثل غرينلاند، وبنما، وكندا. هذا التحول يُضعف من الدعم الأمريكي التقليدي للناتو، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت تُساهم بحوالي 70% من ميزانية التحالف منذ نشأته.
تفكك التحالفات التقليدية وصعود التعددية القطبية
شهد الناتو، الذي بدأ بـ 12 دولة مؤسِسة في عام 1949 وتوسع لاحقاً ليضم ما يقارب 32 دولة، صعوبات متزايدة في إيجاد رؤية استراتيجية موحدة. فقد أظهرت الإحصاءات أن أكثر من 60% من الدول الأعضاء لا تلتزم بهدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المعيار الذي اقترحه الناتو لضمان جاهزية وقدرات عسكرية متكافئة. وفي تقرير حديث صادر عن مؤسسة RAND Corporation في عام 2023، تبين أن الفجوة في الإنفاق الدفاعي بين الدول الأعضاء تصل إلى نحو 20% عن الهدف المحدد.
في هذا السياق، ومع تراجع الدعم الأمريكي المحتمل، قد تجد أوروبا نفسها مضطرة لإعادة ترتيب أوراقها وتحقيق تكاتف جديد قائم على التحالفات الإقليمية. هذا الوضع يفتح الباب أمام قوى صاعدة مثل الصين والهند للمطالبة بمكانة أكبر على الساحة الدولية، مما يُسهم في تعزيز مفهوم التعددية القطبية وإعادة توزيع النفوذ العالمي.
انعكاسات على مستقبل الأمن الأوروبي
كان الغزو الروسي لأوكرانيا الذي اندلع في 24 فبراير 2022 بمثابة نقطة تحول حاسمة في المشهد الأمني الأوروبي، إذ أدت التداعيات العسكرية والسياسية لهذا الصراع إلى تراجع الثقة في الدعم الأمريكي الكامل. وفي ظل هذه الظروف، أصبح من الضروري أن تعيد الدول الأوروبية تقييم استراتيجياتها الدفاعية، خاصةً مع احتمال تراجع الدور الأمريكي التقليدي في المنطقة.
تشير التقديرات إلى أنه إذا ما استمرت الولايات المتحدة في تقليص دورها العسكري في أوروبا، فقد يتعين على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة تصل إلى 25% خلال العقد القادم لتعويض الفجوة المتوقعة. كما أن الناتو، الذي شهد نموّاً إجمالياً في إنفاقه العسكري بنحو 15% في الفترة ما بين 2014 و2022، قد يواجه تحديات في الحفاظ على قدرته على الرد الموحد في مواجهة التهديدات المستقبلية.
الرياض: مفترق طرق تاريخي في السياسة الدولية
يمثل الاجتماع في الرياض أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي؛ فهو رمز لتغيرات هيكلية عميقة في النظام الدولي. ففي وقت يتلاشى فيه مفهوم “التحالف الأبدي” الذي طالما جمع 32 دولة تحت راية واحدة، يُعدّ هذا اللقاء منصة لإعادة تقييم المعايير والقواعد التي تقوم عليها العلاقات الدولية. إذ يمكن أن يكون هذا الحدث بمثابة الشرارة التي تُعيد توزيع المسؤوليات، وتضع أوروبا في موقف يتطلب تعزيز قدراتها الدفاعية والدبلوماسية بشكل مستقل عن دعم واشنطن التقليدي.
إن قرارات القادة خلال هذا الاجتماع، في ظل تاريخ حافل بالتغيرات منذ تأسيس الناتو في 1949 وحتى اليوم، ستحدد إلى حد كبير شكل النظام الدولي في العقد القادم. فهل سيظل الناتو قادرًا على توحيد صفوف الدول الأعضاء أم سيشهد تحوله إلى تحالفات إقليمية جديدة تُمهد الطريق لمرحلة من التعددية القطبية؟ هذا السؤال يبقى مفتوحًا في انتظار النتائج التي سيخرج بها اللقاء في الرياض.
خاتمة
إن المشهد الدولي اليوم يشهد تحولات متسارعة في مؤشرات القوة والإنفاق العسكري، حيث أظهرت الإحصاءات أن العالم على مفترق طرق حاسم. وبينما يستعد الناتو لمواجهة تحديات داخلية وخارجية، تبرز أهمية الاجتماع في الرياض بتاريخ 19 فبراير 2025 كحدث محوري قد يعيد رسم خريطة القوة العالمية. في ظل تقلبات السياسة الأمريكية وتباين الإنفاق الدفاعي بين الدول الأوروبية، تبقى أوروبا في انتظار رؤية واضحة لمعالم مستقبلها الأمني والدبلوماسي، في زمن تتغير فيه قواعد اللعبة الدولية بأرقام وحقائق تاريخية لا يمكن تجاهلها.